د.ثريا العريض
التوازن على حبل دقيق ليس سهلاً.
والتوازن مطلوب بين الحذر الضروري لحماية النظام الداخلي والأمن القومي من التعديات, وحقوق الإنسان في التعبير عن مشاعره دون أن يحدث ضررا فعليا بالأمن أو بغيره من الأفراد أو بالمجتمع. وبالمحافظة على صحة المشاعر والعلاقات في المجتمع نفسيا وأمنيا, تستدام العلاقة الإيجابية بين الفرد والنظام.. فلا يضطر الأول الى التمرد والخروج على الثاني. ولا يتصاعد الثاني إلى ترصد أفراد المجتمع أو اصطيادهم بتهمة الاشتباه المسبق.
وفي كل الأزمنة والمواقع, هناك ما هو أسوأ من التصيد السياسي المبرر بدواعي الأمن, وهو التصيد الاجتماعي المبرر بدواعي حماية الفضيلة. حيثما يحدث هذا عالميا تبرز ظاهرة اختطاف القيادة الفعلية من صانع القرار الرسمي الى جهة فرعية تعلن نفسها مسؤولة عن قراءة نيات الناس ومعاقبتهم على تصرفات تصنفها مستحقة للعقاب. وقد تنجح في ذلك حتى تنصب نفسها حكومة مشرعنة كما حدث في إيران تحت نظام الملالي.
وبالإضافة إلى أن هذه الظاهرة تعني تهميش قدرة الأعراف والمؤسسات الرسمية, وتأكيد عجزها عن حماية التصرف العام من الانفلات, فهذه الجهات المتطفلة أيضا تسمح لنفسها بتبرير أخطائها في الحكم, واستيلاد الفرص لتأكيد ضرورة وجودها كجهة تضمن الانضباط العام باختلاق المواقف التي تستلزم تدخلها للمعاقبة ولو بدفع الفرد الى مسرح جريمة معد لاصطياده بتهمة لم يرتكبها بعد. مثلا, في الساحة المحلية تصاعدت أصوات الرفض لممارسة نصب أفخاخ تغري بالإباحية والجنس الممنوع لإغواء البعض واستدراجهم الى كمائن ترصّد تضبطهم بتهمة ممارسة الرذيلة. والهدف هنا هو إثبات الضبط بالجريمة وليس النصح والتطهر.
ثقافة الانضباط والحفاظ على الأمن العام رقي ومهمة مصيرية؛ أما ثقافة الترصد والاستدراج فغير مقبولة حضاريا إلا في حالة اشتباه مستحق في مبتزين أو جواسيس مندسين مثلا يهددون الأمن القومي.
الخطر الكامن في استشراء مثل هذه الظواهر يتطلب من الجهات المسؤولة عن حماية أمن المجتمع واستدامة استقراره, التصدي بجدية لمن يتعمد استلاب دور أجهزة الأمن الرسمية، أو تهشيمه بفعل فاعل قاصد متعمد، وأن تحمي نفسها من التهميش والإلغاء. وأول خطوة جدية في ذلك أن تتخذ إجراءات واضحة وتطبق في ما يتعلق بالمسموح والممنوع من أي فرد أو جهة, لحماية المجتمع وأفراده من نتائج استلاب دفة التحكم في توجيه الرأي العام الى الغلو أو الانحراف السياسي.
لابد أن نتصدى جميعا وبوعي لأهمية الحفاظ على التوازن, لأي جهة تمارس بناء وتوظيف أجهزة تمكن ذاتها لتجييش المشاعر العامة سلبياً، ما سيوصل المجتمع الى مستوى تصعيد الغليان البركاني.
لسنا في حاجة الى حمم بركانية رأيناها ولا نزال نراها تقضي على الأخضر واليابس في أراضي الإخوة والجيران.
حمى الله الوطن وأمنه واستقراره, بوضوح المسؤوليات, وتعايش المواطنين في مجتمع حضاري الجوار يدرك كل فرد فيه حقوقه وحقوق الآخرين ويثق أن القانون يحميه من الانفلات أو تعدي الآخرين من أي مصدر جاء قريب يصرخ أو بعيد يحرض.