أ. د.عثمان بن صالح العامر
ليست واحدة ولا اثنتين ولا حتى ثلاث أو أربع، بل خمس مدن كبرى ومهمة (العاصمة الرياض، وجدة الميناء الرئيس، والثالثة الدمام، ثم بريدة وتبوك) هذه المدن الخمس «غرقت!!!» في غضون الأيام القليلة الماضية، ولو رجعنا إلى الأموال التي أنفقت على البنية التحتية لهذه المدن الخمس لوجدناها - جزماً - الأكثر وبفارق كبير عن بقية مدن المملكة الأخرى منذ ميلاد هذا الكيان العزيز وحتى تاريخه.
ومع أنني أعلم أن هناك فرقًا متخصصة ترصد وتتقصى الأسباب وتدرسها وتحليل نتائج ما توصلت له وتبين الحلول وتستشرف المستقبل، تمهيداً لعرضها على أنظار المقام السامي الكريم، مع ذلك فإنني - بحس المواطن البسيط -أعتقد أن من بين الأسباب وأهمها في نظري:
* عدم احترام المسار الطبيعي الذي خطّه الله عز وجل في الأرض لتجري فيه الأودية والسيول بشكل انسيابي وطبيعي معتاد، أقول: عدم احترام هذه المسارات من قبل المخطّط الذي وُكل إليه تطوير الأحياء السكنية، الأهلية منها والحكومية، مع أن هذه المسارات في الأرض بمثابة الشرايين في جسد ابن آدم، وعلى افتراض صرفها يميناً أو يساراً إذا لزم الأمر، فالواجب أن تكون العبرات والفتحات تتوافق وحجم المياه المتوقع تدفقه بسرعة مهولة في دقائق معدودة، وربما يعزى ذلك التقصير في نظري إلى أن كثيراً من هذه المخططات السكنية وجد في الثلاثين سنة الماضية التي تعدّ دورة مناخية جافة في الجزيرة العربية، ولذلك غلب على ظن المخطط والمنفذ والمالك أن سنة الله الجارية في هذه المنطقة من الأرض عدم وصول منسوب المياه إلى ما وصل إليه هذا العام خاصة في بريدة .
لقد كان البدوي يتهيب سكنى الأودية، ويحترم مجرى الأمطار، ولا يأمن السيل في مثل هذه الأيام لأنه عرف من التجربة أنه قد يفقد كل شيء في لحظة مطيرة واحدة، مع أنه ليس بمهندس مختص وكل إليه أمر تخطيط مدننا الرئيسة، ولا هو من حملة الشهادات العليا الذين درسوا هنا وهناك وانفقت عليهم الدولة المال الكثير ، بل ربما أنه أمي لا يعرف القراءة والكتابة البتة.
* عدم اكتراث المهندسين في الأمانات والبلديات، والمقاولين المنفذين كذلك، بواجب الاهتمام الحقيقي بتوظيف البنود المخصصة لتصريف مياه الأمطار والسيول توظيفاً أمثل وصحيحًا في المناطق المنخفضة والقريبة من مجرى السيول، فضلاً عن المخططات السكنية تلك التي اعتمدتها الأمانات خطأ، وأعطت فسحات لها ليشيد المواطن مبنى سكنياً عليها، وذلك لموسمية الاستفادة من هذه المشاريع العالية التكلفة، ولعدم وجود مخططات استراتيجية إقليمية منفذة في مدننا بالشكل الصحيح.
* غياب التخطيط الأمثل لمدننا السعودية، فهي بلا هوية، والعشوائيات قابعة في وسطها، وامتدادها غير مدروس، ومناسيب شوارعها ومبانيها متباينة ومختلفة بشكل يتولد معه تجمع مياه الأمطار في منطقة مكتظة بالحركة ومأهولة بالسكان.
* تعدد المرجعيات التخطيطية والتنفيذية في الشوارع والطرقات، وغياب التنسيق المفترض أو ضعفه بين هذه المرجعيات، مما يتولد عنه الاتكالية وعدم استشعار المسئولية المباشرة بواجب المحافظة على سلامة البنية التحتية.
ولذلك فإن من نافلة القول هنا أن على الأمانات والبلديات قبل غيرها استشعار المسئولية المباشرة، الدينية والوطنية، التي تملي على المهندسين المباشرين لمهمة التخطيط، والمشرفين على تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول، المحافظة على سلامة الأرواح والممتلكات، والاستعانة بالكوادر المؤهلة لإعادة تخطيط مدننا وتصريف ما يمّن به علينا الرب سبحانه وتعالى من غيث به حياة البلاد والعباد تصريفاً صحيحاً وسريعاً حتى لا نغرق نحن في بقية مدن ومحافظات بلادنا الحبيبة أو تتكرر المأساة في هذه المدن الرئيسة كما حدث في جده، حفظ الله الأرواح، ووقانا شر طوارق الليل والنهار، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.