فهد الحوشاني
الكثير من النصائح تضج بها قروبات «الواتس» ورسائل «الفيس» وتغريدات «تويتر».. الكثيرون تدثروا بعباءة الناصح، ما أسهل وأحلى هذا الدور!! تلك النصائح يمكن قرائتها كظاهرة اجتماعية، والتي هي ربما حالة من حالات عشقنا للوصاية على الآخرين، ومظهر من مظاهر شغفنا بالنصائح وإن كان بعض الناصحين لا يطبق ما يقول!! تلك الحالة سهلت رواجها التقنية الحديثة، فالكل حكماء، حيث تنساب بين الأنامل رسائل الحِكَم التي لو طُبقت لكان سقراط أحد تلاميذنا! وهنا يمكن أن نتساءل إذا كنا كلنا حكماء فمن يستفيد من تلك الحكم المهدرة.. لمن نرسلها؟ كيف (نبيع الماء في حارة السقايين)! وكيف (نبيع التمر إلى هجر)!! إنها ثروة تضيع في دهاليز «الواتس أب» و»الفيس بوك»!! الكل يرسل الحكم، فمن هو ذلك الشخص قليل الحكمة والدراية والتجربة، بالطبع ليس (أنا ولا أنت) الذي يمكن أن يستفيد من تلك الحكم التي تضيع هدراً!! ترى من يكون؟!
وفي القروبات أيضاً يكثر إرسال الآيات القرآنية والأحاديث والأدعية.. وقد أعجبني تعلقياً لأحدهم قال فيه.. لوطبقنا ما نرسل لصافحتنا الملائكة في الأسواق!! أو هكذا قال. والمثير للعجب أن يواصل الإرسال إليك من تعرفه تمام المعرفة بأنه (الله بلخير) -إذا صحت وجازت العبارة. وبمعنى آخر (غير ملتزم دينياً) في سلوكياته وتصرفاته.. تحاول أن تربط بين المرسل والرسالة فلا تجد أي رابط!! ثم تتساءل بينك وبين نفسك موجهاً السؤال إليه (علينا؟؟) فلا شيء يقنعك أن من يرسل هو ذلك الشخص الذي تعرف عنه تزويغه من الدوام ومخالفته للأنظمة وكثرة (الحش) في خلق الله والتهاون في أداء واجباته الدينية وغيرها من الأوصاف التي سترها الله بستره وعفوه ورحمته.. وهذا يثير التساؤل.. لماذا البعض يحاول أن يظهر بغير حقيقته؟.. وبمعنى آخر.. لماذا يحاول البعض أن يجعل من التدين واجهة غير حقيقية له.. لماذا لا نظهر كما نحن أو على الأقل قريباً من (كما نحن)!؟ أحترم الشخص الذي يظهر لك في التعامل المباشر كما هو بالظبط عندما يتوارى خلف مقود «الواتس أب» أو «الفيس بوك». وإذا كنا كلنا مرسلين ودعاة وواعظين فمن يستفيد من تلك الرسائل؟!! من يكون!؟
أعرف أشخاصاً ملتزمين دينياً عندما يرسلون النصائح والإرشادات أحترم وأقرأ ما يرسلون لأنها تتسق مع سلوكهم وأفكارهم وطبيعة حياتهم، لكني أتعجب من أولئك الذين يحاولون بسيل رسائلهم إيهامي بشخصية مزيفة يلعبونها على مسرح التواصل الاجتماعي!
في رسائلنا نتداول ما لا يصح ولا يجوز عن المرأة السعودية مؤسسين لثقافة سلبية تحيط ببناتنا وأخواتنا وقريباتنا في المستقبل بإطار ثقافي يحاصرهن ليقلل من شأنهن أمام غيرهن.. فإذا كانت تلك المرأة التي نرسل الإهانات في حقها والنكت السامجة عنها ليست (بالطبع) أمي ولا أمك ولا أختي ولا أختك ولا زوجتي أو زوجتك ولا قريبتي ولا قريبتك... فمن تكون؟!.
في رسائلنا نشتكي كلنا من ذلك الشخص الناكر للمعروف، (قليل الحيا) الذي نحن السبب في وقوفه على قدميه، والسير ناجحاً في هذه الحياة مرددين أقوالاً وأمثالاً مثل (اتق شر من أحسنت إليه)، و(اعمل معروفاً وارمه بالبحر) وهلم جراً.. وشعراً مثل:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يجد مدحه ذما عليه ويندم!
فمن هو ذاك الآخر الذي كلنا نشتكي منه!؟ من يا ترى!! من هو؟! ومن هي؟! يا لنا من أبرياء!!