يوسف المحيميد
في وسط معظم أحياء شمال الرياض، توجد أرض مساحتها تزيد عن ثلاثين ألف متر مربع، تمثل (السنتر) للحي، تلتقي فيها كل الشوارع ذات الستة والثلاثين مترًا، من الجهات الأربع للحي، حيث ظهر هذا التخطيط للأحياء بدءًا من حي الورود، ثم استمر لجميع الأحياء شماله وشرقه، وأصبحت هذه الأرض المتوسطة للأحياء علامة بارزة لأحياء صلاح الدين والملك فهد والمروج والمصيف والوادي والنفل والغدير والندى والربيع ومربعات الياسمين... إلى الأحياء الجديدة شمال طريق الملك سلمان. وهذه الفكرة في التخطيط، وتوحيدها في جميع الأحياء، فكرة جميلة، توحي للمتأمل أن هذه القطعة الكبيرة وسط الحي، تم استثناؤها من البناء، من أجل إنشاء مرفق خدماتي ترفيهي لسكان هذا الحي، تقوم بإنشائه أمانة مدينة الرياض، بالتنسيق مع الوزارات المختصة ذات العلاقة، كوزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التعليم، وغيرهما، لكن الواقع خلاف ذلك، فهي في النهاية أرض تجارية يحتفظ بها المطورون، لحين اكتمال الحي، ثم يتم بيعها بمئات الملايين!
ففي حي الورود، أول الأحياء التي أوجدت فيها هذه المساحة، أصبحت مدينة ترفيهية للأطفال، تعارف الناس على تسميتها بملاهي الخيمة، وهذا ضد الفكرة التي تبدو جميلة لأول وهلة، من هذه المساحات المتوسطة للأحياء، لو كانت فعلاً مكانًا مخصصًا لإنشاء مركز ثقافي ترفيهي، يحتوي على مكتبة بكل الوسائط القديمة والجديدة، ومكتبة مخصصة للأطفال بجميع المراحل العمرية، وقاعة أو جاليري للفنون، ومحترفًا فنيًا للهواة، وصالة سينما غير ربحية، تعرض فيها الأفلام العلمية والثقافية، وقاعة للمحاضرات، وقاعة أخرى للمناسبات، يستفيد منها أهالي الحي في مناسبات الأعياد وغيرها، ومقهى أو أكثر يتم تأجيرها على المقاهي المشهورة، وصالة للألعاب الخفيفة التي تستوعب طاولة التنس والبلياردو... إلخ!
هذه الأراضي المتوفرة فعلاً في الأحياء الجديدة شمال الرياض، التي لم تزل أراضي بيضاء، لماذا لا تبادر الدولة، عبر أمانة مدينة الرياض، بتجربة إنشاء مثل هذه المراكز الثقافية والترفيهية عليها، مما يعيد العلاقات الإنسانية بين سكان الأحياء، ويستثمر فيها الأطفال والشباب والكبار، رجالاً ونساءً، أوقات فراغهم، ويعيدهم إلى الثقافة والأدب والفنون، فالمجتمعات المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من تسامح، وتالح، وقبول للآخر، واحترام حقه في رؤيته المغايرة، وأيديولوجيته المختلفة، ونبذ التطرّف والعنصرية والطائفية، إلا بنشر الأفكار والثقافات والآداب والفنون، وإتاحتها للجميع، وجعلها زادًا يوميًا، من أجل تهذيب النفس والروح، وإعادة العلاقات الطبيعية بين الناس!
لقد بُح صوتي، ورددت كثيرًا بأن محاربة الفكر المتطرف، والمتشدد، وتقليم الفكر الإرهابي، والإقصائي، لن يتم بالطرق المباشرة التقليدية، والرقابة على النشء، ومعالجة المشكلة حينما تقع، وإنما بالعمل على تنوير الأجيال القادمة، وتثقيفهم، كي يقودوا بلادنا إلى عصر جديد من التنوير والتقدم والازدهار.