يوسف المحيميد
منذ أن انطلق معرض جدة الدولي للكتاب، وأكثر من قناة فضائية حاورتني عن الكتاب ودوره في تثقيف المجتمعات ونموها فكرياً، وكان السؤال المشترك بين هذه القنوات، هو عما أذا كنا بحاجة إلى معرض كتاب آخر، خلافاً لمعرض الرياض الدولي للكتاب، بل إن البعض يعتقد أن هذا المعرض بديل عن معرض الرياض، والبعض الآخر يقترح تدوير المعرض بين مدن المملكة الكبرى!
وكانت رؤيتي حول هذا الأمر، أن الكتاب هو مؤشر تقدم الأمم والحضارات، وهو أول خطوات الثقافة في أي مجتمع، وفي دولة كالمملكة، هي في حجم قارة صغيرة من حيث التنوع الثقافي والسكاني، نحتاج إلى أكثر من معرض للكتاب، فليس منطقياً أن تكون جدة بلا معرض كتاب، بحجم سكانها وعدد مثقفيها، وبعدها عن الرياض، خاصة وهي عروس البحر ولؤلؤة الحجاز، الجزء الغالي من الوطن، الذي كان له فضل الريادة في الصحافة والثقافة والفنون، كذلك ليس منطقياً ألا تحتضن المنطقة الشرقية معرضاً دولياً للكتاب، بكثافة سكانها، وتنوع مثقفيها وشعرائها وفنانيها، واهتمام سكانها الواضح في القراءة، وارتفاع معدل الثقافة فيها، بكل ما تضمه من مدن كبرى، كالدمام والخبر والظهران، ومدن ذات امتداد تاريخي ثقافي مهم كالأحساء وغيرها.
أحياناً أفكر أيضاً، ما ذنب المناطق الأخرى في المملكة، كمنطقة جازان والقصيم والمدينة المنورة والباحة وحائل وغيرها، ألا يستحق مواطنوها إقامة معارض للكتب، حتى لو كانت أصغر، من تلك المعارض التي لا تصنف كمعارض كتب دولية، كمعرض إقليمي أو عربي أقل حجماً، يدعو جميع دور النشر المحلية، وبعض دور النشر العربية الكبرى، وتقام على هامشه فعاليات ثقافية، تسهم في تثقيف سكان هذه المناطق من جهة، وتنشيطها سياحياً من جهة أخرى، وما تقدمه أيضاً لطلاب المدارس والجامعات فيها، فهي مسؤولية مشتركة بين وزارة الثقافة والإعلام، وهيئة السياحة والآثار، ووزارة التربية والتعليم، وغيرها من الجهات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة. خاصة إذا أنشأت وزارة الثقافة والإعلام ضمن هيكلها الإداري إدارة عامة للمعارض، يكون عملها الوحيد التنسيق مع إمارات المناطق والأمارات في هذه المناطق، لإقامة معارض الكتاب الخاصة بها، وكذلك التنسيق مع الأندية الأدبية فيها لوضع جدول الفعاليات الثقافية خلال أيام المعرض.
تخيلوا كيف لبلد تحتفل سنوياً بثلاثة عشر معرضاً للكتاب، تخيلوا أننا بمعدل شهري تقريباً نحتفل بالكتاب، تخيلوا حجم تداول الكتاب بين القرّاء في المملكة، تخيلوا شعور المؤلف والكتاب السعودي وهو يحضر هذه المعارض، ويشارك في هذه الفعاليات، تخيلوا حجم الدعم الذي سيحظى به الناشر السعودي، تخيلوا كيف ستتطور صناعة الكتاب المحلي بشكل لافت، تخيلوا وتخيلوا... لكن من سيعلق جرس الثقافة، ويعلن الحرب على الجهل؟