يوسف المحيميد
قارئي العزيز، حينما يتم تعيين إحدى قريباتك في مدرسة مرمية في واد أو شعيب أو نقرة، أو فوق جبل، أو قرية حدودية، عليك أن تنظر إليها، وكذلك جميع أقاربك، كما نظر الناس إلى سانتياجو بطل رواية (سرد أحداث موت معلن) لماركيز، الذي يعرف الجميع أنه سيموت قريباً، إلا هو، وهي كذلك هذه المعلمة التي تبتهج بتعيينها، وتملأ انستغرامها وسنابشاتها بصور القرية والطريق الثعباني المخيف، وتكتب كل مرة، صباحكم غيم، صباحكم رمل... دون أن تجرب مرة واحدة، وتكتب: صباحكم موت!
تخيل عزيزي القارئ، أن تكتشف قريبتك هذه، أنها الموظفة رقم 11 في هذه المدرسة الحدودية النائية، لكنها لا تجد سوى أربع معلمات، وحين تسأل عن المعلمات الست المتغيبات، يُقال لها بأنهن رحلن عن الدنيا، على مدى السنوات الماضية، بمعنى أنها قتيلة مؤجلة، وأحدهم في الظل يغذي مسدسه!
هذا الأسبوع تسابقت الصحف الورقية والإلكترونية على نشر مقتل العشرات من المعلمات في حوادث متفرقة، وحينما استبدل مفردة (موت) بـ(مقتل) فأنا أعني ذلك تماماً، لأننا بصمتنا ككتاب، وكمشايخ ودعاة ونجوم، وتخاذل الوزارة التي تمتلك الحلول، نشارك في هذه المآسي المتلاحقة!
إحدى قريباتي كادت أن تذهب هباء، وتتيتم طفلتاها، بسبب حادث حريق سيارة معلمات، في طريقها إلى إحدى قرى عقلة الصقور، لكنها نجت بكسور في فقرات الظهر، بينما توفي السائق، الذي يعمل على هذا الطريق لأكثر من 14 سنة، بعدها حادث آخر باتجاه العيص، بسببه (نفقت) أربع معلمات، وآسف لمفردة (نفقت) فنحن نتعامل مع بناتنا المعلمات كما لو كن حيوانات، فلا نسمع لصراخهن واستغاثتهن، حتى في لحظات المطر والطرق الزلقة والوعرة، نتعامل معهن باستهتار ولا مبالاة!
أحياناً أصاب بحيرة، كيف لوزير التعليم أن يكرم حارس مدرسة، لأنه يعنى بسلامة التلميذات عند خروجهن، وهذا أمر مهم ومطلوب، ويُشكر عليه، لكن أليس من واجبه تقديم العزاء في بيوت المتوفيات، وزيارة المصابات على الأسرة البيضاء؟ أم أنه سيضطر لترك كرسي الوزارة، ويداوم بين بيوت العزاء والمستشفيات لكثرة الحوادث المؤلمة؟
ألا ترى أيها القارئ، أننا بتفريطنا هذا، وانشغالنا كتَّاباً ومشايخ ودعاة بقضايا المرأة، من عملها إلى اختلاطها، دون أن نستخدم حضورنا وسلطتنا الإعلامية بالدفاع عن حياة هؤلاء المعلمات، كمن يضع مسدس الروليت الروسي، أو الروليت التعليمي، في أيدي المعلمات، كل يوم، كي يلعبن هذه اللعبة، ويطلقن النار على رؤوسهن، فإما أن يكون نصيبهن طلقة فارغة من الخمس طلقات الفارغة، أو أن يكون حظها تعيساً مع روليت التعليم، وتصيبها الرصاصة السادسة المحشوة، فتموت!
اللهم احفظ معلماتنا المرابطات على ثغور التعليم!.