سمر المقرن
إلى وقت قريب كنت أعتقد بفاعلية برنامج الفحص الطبي قبل الزواج، إلا أنني فوجئت بأن هذا البرنامج ليس لديه صلاحيات منع زواج المصابين بصفة أمراض الدم الوراثية، والذي ينتج عنها جيل مصاب بهذه الأمراض غير قادر على أن يعيش بحياة صحية سليمة.
قرأت قبل أيام عن إحصائية تؤكّد أن 90 % من العرسان الذين تربطهم ببعضهم صلة قرابة يرفضون الانصياع لتوصيات الأطباء التي توضح لهم خطورة هذا الزواج، وبما أن هذه النسبة العالية والمخيفة من «الجهل» فينبغي إيجاد قانون صارم لمنع هذه الزيجات التي ينتج عنها أطفال ليس لهم ذنب سوى أنهم ولدوا لآباء جاهلين. فالأمراض الناتجة عن هذه الزيجات ليست سهلة ولا بسيطة، بل إن من سيولد بها هو شخص قادم إلى الحياة كان يُفترض أن يأتي وهو بكامل صحته وعافيته لولا عقلية والديه، لذا من المهم أن يكون الفحص ما قبل الزواج أكثر من كونه فحصًا لا يعتمد على قوانين، بل من المهم أن ينص على قوانين واضحة وصريحة في منع الزواج لأن ثمرته طفل ضحية ولد ليعيش مريضًا.
فبالإضافة إلى كون هذا النوع من الزواج فعلاً لا إنساني ولا أخلاقي، فهو يُمثِّل عبئاً ثقيلاً على الدولة التي ستتحمّل مصاريف هؤلاء المرضى، فالأمراض الناتجة لن تكون قابلة للعلاج فهي عبارة عن أمراض دائمة مثل فقر الدم المنجلي، هذا المرض الذي يجعل صاحبه في عذاب الآلام المزمنة طيلة حياته. ومثل مرض الثلاسيميا الذي يؤخّر نمو الطفل ويصيبه بالتشوّهات.
أتوقّع أن فكرة الزواج المغلوطة والتي لا تتجاوز في تفكير - بعضهم- مسافة أرنبة أنفه، وعدم التفكير في هذه العلاقة ونتائجها على المدى البعيد، هي من تجعل هؤلاء لا يفكرون بالعواقب المستقبلية لزيجات الأنيميا، وأن مثل هذا الزواج لن يضر صاحبه فحسب، بل سيضر أطرافاً أخرى هم عبارة عن ضحايا لهذه الزيجات.
إن القوانين التي تحافظ على صحة الإنسان وسلامة المجتمع لا يجب أن تتراخى وتتهاون في التعامل مع هؤلاء الجهلة، ومن لا يعرف مصلحة نفسه ومصلحة مجتمعة لا بد أن يتعلّم هذا بالقانون الذي يردعه ويحد من الانجراف نحو هذه الزيجات باعتبارهم أقارب، وكأن أهمية زواج الأقارب لديهم تكمن في حفظ جيناتهم النادرة والثمينة! هذه الفكرة برمتها سواء نتج عنها أمراض أم لم ينتج هي فكرة خاطئة بحاجة إلى توعية قانونية وتشتمل على عقوبات بحق من يريد أن ينجب ضحايا لأمراض ليس لهم ذنب فيها.
هذه القضايا لا تحتاج إلى مشورة ونصائح الأطباء فقط، بل تحتاج إلى إجراءات وقائية قانونية توقف العبث بحياة الأجيال وسلامتهم، وسلامة هذا المجتمع الذي يحتاج إلى جرعات مكثفة من الوعي بفكرة الزواج الصحي. إذا ما نظرنا إلى أن زواج الأقارب يحمل نسبة مخيفة للأمراض الوراثية تصل إلى ما يزيد عن 75 % من زواج الأقارب بحسب مختصين في أمراض الدم، لا نقول إزاءها سوى الله يستر!