سمر المقرن
كلَّما أمعنت التأمل في قصة البحث الطويلة التي عاشها آدم وحواء، بحثًا عن بعضهما، أصل إلى حالة يقين بأن كل إنسان منّا لديه شخص واحد في هذه الحياة، يظل يبحث عنه فإما أن يجده فيعيش معه متعة الحياة ولذتها، وإما أن يمضي عمره مع شخص ليس هو نصفه الآخر (الوحيد) المخلوق له، فتمضي حياته رتيبة عادية، بلا طعم ولا لون.
وقد يجد الشخص نصفه المقسوم له فيضيّعه ويخسره وبذلك يخسر السعادة الحياتية، لذا من يحافظ على هذا الشخص الوحيد الذي لن يحل محله شخص آخر، كما هو في حال آدم وحواء، فإنه سيشعر بالحياة وقيمتها، لأن الإنسان بطبعه لا يمكن أن يعيش وحيدًا، وقد يعيش بين عشرات الناس لكنه لا يشعر بوجوده وبقيمة عواطفه إلا مع الشخص المقسوم.
قد يظن -بعضهم- حين يلتقي بإنسان يُحرك مشاعره، أن هذا هو وصفة السعادة ودليل الأمان الذي يريد أن يعيش معه بقية حياته، وقد يكتشف بعد وقت طويل أن آدم لم يجد حواء، وأن من تمسك به ما هو سوى «وهم» ما إن يستيقظ منه إلا وقد أبصرت عيناه ووعى قلبه بأنه عاش في بوتقة وهمية، وأن كل هذه الفترة لم تكن سوى وقت من الراحة عن البحث والجري بحثًا عن آدم لحواء والعكس.
للقاء الأحبة الأول رهبة وعظمة تتمثل في قدسية جبل عرفات الذي تقابل فيه آدم مع حواء لأول مرة على الأرض، وهكذا يكون استشعار عظمة مشاعر اللقاء الأول والذي يشبه إحساسه لذة ارتداء الثوب الجديد على الجسد، فمن يجد شخصه المقسوم سيشعر بلذة هذا الثوب في كل مرة يعيد ارتداءه، وإن كان مجرد شعور عابر سيأتي يوم ويفرغ منه الفؤاد، فلن يشعر بلذة الثوب الجديد على جسده مرة أخرى، ولن يجد متعته إلا بثوب جديد كل مرّة، وهكذا هي مشاعر البشر بين الجنسين، إما أن يبقى استشعار لذّتها مدى الحياة، أو تنتهي بمجرد الشعور بالرغبة في إعادة ارتداء ثوب جديد كل مرة!
الإنسان بطبعه وتركيبته الإنسانية والوجدانية لا يعيش الحياة بكل ملذاتها إلا مع شخص واحد هو المقسوم له، وكأني أرى البشر في رحلة بحث عن هذا المقسوم، وعندما تفشل العلاقات فهذا لأن الشخص ارتبط بآخر بطريقة عبثية، تشبه تمامًا الزواج التقليدي والذي من النادر أن يتم بين شخص والمقسوم له، وحتى استمراريته لا تعني أن المشاعر مكتملة، فهناك أمور جانبية تجعل الحياة تستمر، واستمرارها لا يعني أن هؤلاء الزوجين هم الشخص والمقسوم له.
الحب هو أجمل المشاعر الإنسانية، حب الحياة، حب الجمال، حب الآخرين، حب المخالفين، حب كل شيء هو ما يطمس الشر الموجود في الإنسان والمتمثل في الكره، ولا أتوقع أن شخصًا وجد نصفه المقسوم وحافظ عليه من الممكن أن يتلطّخ بالصفات الشريرة الطارئة التي لا يُمكن أن تكون أصيلة في طبائع البشر.