سمر المقرن
ما كان لي إلا أن ألهث بالدعاء لهذا الأب المكلوم الذي فوجئ بابنته التي لم تُكمل الثلاثين من عمرها، وقد بعثت له رسالة قبل ستة أشهر تُبلغه فيها أنها وصلت إلى موقع تنظيم داعش في سورية. بعد أن كذبت عليه واستأذنته بالسفر إلى العمرة مع مجموعة نساء تعرفهن، وصدّق الأب بحسن نيّة، بل أظن أنه لم يتوقّع أن تصل الجرأة بابنته إلى هذا الحد رغم علمه بتشددها ومحاولاته الدائمة لفك حصار هذا التشدد الفكري الذي بدأ يطوي عقلها في العامين الأخيرين، بل حوّلها من فنانة تشكيلية جميلة ترى بعينها الأشياء المزهرة في الحياة لتترجمها بريشتها للوحة، إلى إنسانة متوحشة اتجهت إلى مصير أسود ونفق مظلم ليس له نهاية.
حزنت على أبو فهد وعلى أسرته، وأنا أقرأ كلامه المنشور في صحيفة «الحياة» يوم الأحد الفائت، وهذه المصيبة التي حلّت بمنزله ليس هناك منّا أحد معصوم عنها، فالتشدد الذي يستشري كالنار في الهشيم داخل مجتمعنا يجعلنا جميعًا نخاف على بناتنا وأبنائنا من سوء المصير، فإن كانت الأسرة مستنيرة وتعرف كيف تربي أبناءها فهناك من يصطادهم بشكل أو بآخر ويعبث بعقولهم خارج سيطرة التنشئة الأسرية والتربية المنزلية. وخصوصًا في المجتمعات النسائية التي من الصعب كشف شباكها وهذا ما جعل أيادي الإرهاب تعتمد إليها إلى أن وصلت إلى الصدارة في تجميع الإرهاب، والعمل السري وحتى المكشوف لصالح الجماعات الإرهابية فذهب الأبناء وذهبت البنات وكُل منّا يضع يده على قلبه خوفًا من أن يأتيه الدور!
من وجهة نظري أن المحفزات التي تدعو الفتاة للانضمام إلى هذه الجماعات الإرهابية تختلف عن المحفزات التي تدعو الشاب لها، مع أنهما جميعًا يشتركان في الرغبة الجنسية التي تُرسم لهما وتغريهما للانضمام إلى هذه الجماعات. فالفتاة تقوم بالدور الجنسي مع التنظيم من خلال «زواج النكاح» وهي غير متأكدة أنها ستعيش نفس هذه المتعة في الآخرة المضمونة للشاب بعشرات الحور العين اللاتي سيلتفنّ حوله، وأظن أن هذا السبب هو ما دعا أولئك الفتيات للانضمام إلى داعش فهن لا يردن أن يخسرن هذه المتعة في الدنيا والآخرة، إذ إن مواصفات «الجنة» مغرية للرجل أكثر من المرأة بحسب التأويلات والمغريات التي تصلهم!
هناك خلل غريب في التربية الجنسية التي أوصلت هؤلاء إلى هذه المرحلة، ولعل اختباءنا إلى اليوم وخوفنا أو خجلنا من الحديث في هذه الأمور هو ما أوجد هذا الخلل، وجعل الشبان والفتيات يبحثون عن أساليب المعرفة بطرق غير أخلاقية وغير صحيحة، مع أن التربية الجنسية هي مناهج معمول بها في كثير من الدول، نحتاج لهذه المناهج مثلما نحتاج إلى إيضاح صحيح للإسلام ومحاربة حقيقية للتشدد الذي صار كل يوم يخطف بنتًا أو ابنًا من بيوتنا ولا نعرف إلى أين سنصل، والدور القادم على من؟!