زكية إبراهيم الحجي
في أي دولة من دول العالم تعتبر المؤسسة التعليمية أضخم تشكيل في جسم شعوبها فهي تضم ما يقارب ربع سكان الدولة بينما حجم الإنفاق على هذه المؤسسة يكاد يصل إلى أكثر من ربع ميزانية الدولة..فعندما تعجز هذه المؤسسة الجبارة والمهمة عن أن يكون لها في خطة نهضة الدولة والمجتمع أعظم الدور وأبلغ الأثر فحريٌ بهذا المجتمع أن يتناسى هذه الخطة ويقنع بالبقاء في ذيل ترتيب مجتمعات العالم.
كيف نبدأ ومن أين نبدأ.. ما هو المجتمع الذي نريد بناءه على المدى المتوسط والبعيد.. ما نوع البنية التعليمية والثقافية التي نريد إرساءها وما موقع الإدارة التعليمية والمعلم والطالب والمناهج الدراسية والبناء المدرسي والسلوكيات التربوية في البنية التي نرغب في إرسائها ثم ما نوع المعرفة التي نريدها لأبنائنا الطلاب وأي مستوى معرفي نبحث عنه في واقع الأمر لا يمكن الحديث عن تطوير وتجويد التعليم دون الإجابة على الأسئلة السابقة.. والإجابة عليها يقع ضمن استراتيجية خطط التعليم الموضوعة مسبقاً من قبل كوادر أكاديمية متخصصة في الشأن التعليمي والتربوي.. شريطة أن يعاد النظر فيها خلال مدد زمنية تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات وذلك بهدف التجديد والتحديث لتواكب مستجدات التنمية في جميع المجالات.
ولعله من الأفضل أن أترك الحديث عن خطط استراتيجية التعليم لذوي الاختصاص وأتحدث عن تفصيلات مشكلة العملية التعليمية بحد ذاتها كوني أم ومعلمة.. لذا ومن خلال ثمرة تجربتي في ميدان التعليم وجدت أنه لا يمكن الحديث عن تطوير التعليم دون أن أطرح بعضاً من أسئلة أساسية كانت ولازالت تدور في ذهني.. ترى لماذا نعلِّم ماذا نُعلِّم وكيف نعلِّم..أين ومتى نعلم ومن يُعلم من.. ثم هل يمكن الوقوف عند هذه الأسئلة وترك الجزئيات التي تستدعيها مثل ما هي المناهج الأفضل.. ما هي أجود طرق التدريس.. هل نحتاج إلى إعادة النظر في المناهج أولاً أم أن علينا العمل على إعادة تأهيل المدرسين قبل ذلك.. أم أن الأهم هو مبنى المدرسة والبيئة الصفية.. ومتى يأتي اليوم الذي يُستغنى فيه عن الورقة والقلم لصالح الشاشة ولوحة المفاتيح.. أسئلة تكاد لا تنتهي كلما غصنا في التفاصيل وأكاد أُجزم بأن كل هذه الأسئلة تدور في ذهن غالبية أولياء الأمور بل حتى في ذهن معظم التربويين وكل من له شأن في مجال التعليم.
تتجه معظم الدراسات الحديثة في مجال التعليم للحديث عن»التعلم»بدلاً من»التعليم» بمعنى أن العملية التي كانت تسمى تقليدياً عملية تعليم يجب أن تكون في الواقع عملية توفير الفرص والأدوات والوسائل والأجواء المناسبة إضافة إلى أشخاص على درجة عالية من التدريب مع استمرارية التطوير الذاتي ليقوم الطالب بعملية التعلم هو نفسه ووفق هذه النظرة يتغير دور المعلم إلى دور التوجيه.. هنا تصبح عملية التعليم الأساسي بمجملها هي عملية «تعليم التعلم الذاتي» وفي نهاية المطاف يكون الطالب قادراً على التعلم ذاتياً واختيار الوسائل التي تمكنه من عملية التعلم كل ذلك يتم بإشراف من معلم عود نفسه على تدريب مستمر من خلال دورات مكثفة وورش عمل تطويرية.. إن تحقيق ذلك يتطلب عملاً أكثر عمقاً في صياغة المناهج ثم تطبيق طرق التدريس الحديثة والأهم التركيز على تنمية مهارات التعلم الذاتي
فإذا كان العلم والمعرفة عنصرين مؤثرين في أي عملية تنموية فإن البحث في التفاصيل يتبلور في الاتجاه نحو إصلاح منظومة التعليم من العمق وتجديد النمط التعليمي القديم وذلك عن طريق الاستفادة من تجارب بعض الدول والتي لها باع طويل في مجال تطوير أنظمتها التعليمية كاليابان وماليزيا وغيرها من الدول التي تمكنت من تطويع المعارف والعلوم والتقنية بشكل يخدم اتجاهاتها التنموية.. نحن بحاجة ماسة إلى مخرجات تعليم توائم معطيات العصر وما يشهده من انفجار معرفي ومعلوماتي.. نحن بحاجة إلى أجيال مبدعة تسخر من ذواتها أرقاماً فاعلة في تنمية المجتمع والوطن نرجو أن يتحقق ذلك.