زكية إبراهيم الحجي
تعد ظاهرة العنف الأسري من الظواهر الاجتماعية والعالمية المنتشرة في جميع المجتمعات.. وبرغم تباين نسبتها بين بلد وآخر إلا أن المعاناة واحدة كما أن الاتجاهات نحو التعبير عن المشاعر العدوانية تتفاوت من حضارة لأخرى.. ومع ذلك كله يبقى العنف الأسري من أخطر أشكال انتهاكات حقوق الإنسان.
العنف الأسري هو ذلك العنف الذي يحدث بين جدران المنزل وتحت مظلة الترابط الأسري.. وهنا تكمن خطورته في أنه ليس كغيره من أشكال العنف ذات النتائج المباشرة والتي تظهر في إطار علاقات صراع بين السلطة في بلد ما وبعض الجماعات السياسية أو الدينية في نفس البلد.. بل إن نتائجه غير المباشرة والمترتبة على علاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة وفي المجتمع بصفة عامة غالباً ما تُحدِثُ خللاً في نسق القيم واهتزازاً في نمط الشخصية مما يؤدي وعلى المدى البعيد إلى خلق نسق مشوه من شخصية مرتبكة تميل إلى الجنوح عن قيم المجتمع وقوانينه وغالباً ما يرتكبون أفعالاً جسيمة ضد الإنسان أو الممتلكات الخاصة أو العامة مما يضعهم تحت طائلة القانون.
وإذا كانت ظاهرة العنف الأسري بأشكالها المختلفة أخذت تظهر بشكلٍ كبير في المجتمع وتؤرقه بما تخلفه من آثار على الأفراد نتيجة الاعتداءات التي تمارس داخل الأسرة تجاه أي فرد في الأسرة فإن آثارها على المراهقين والأحداث أشد إيلاماً وأشد عداوة على الأحداث أنفسهم وعلى مجتمعهم الذي يعيشون فيه.. وما جنوح الأحداث وانحرافهم إلا نتاج العنف الممارس ضدهم تحت سقف البيت الأسري الذي ينسف كل معاني المودة والمحبة والرحمة ويُلحق الأذى بزينة الحياة الدنيا.. وممن يأتي الأذى.. من الأرباب الذين أستأمنهم الله تعالى عليهم حماية ورحمة ومودة.
فإذا كان جنوح الأحداث وانحرافهم بمعناه الواسع هو انتهاك للتوقعات والمعايير الاجتماعية.. وأن الفعل المنحرف ليس أكثر من أنه حالة من التصرفات السيئة التي قد تهدد الحياة نفسها فإن الأحداث المنحرفين دائماً ما يشعرون بحالة ازدراء من الآخرين حتى ولو لم يظهروا ذلك علناً.. كما تنتابهم حالة من التفكير بأنهم أقل قيمة من الآخرين.. ولذلك أدركت كل الأمم المتحضرة أهمية وخطورة هذه المشكلة وبذلت كل الجهود لمواجهتها وكان من نتائجها ظهور التشريعات المتقدمة في مجال الأحداث الجانحين وهي تشريعات قامت على خلاصة النتائج العلمية والفكرية التي نتجت عن تضافر جهود الأخصائيين النفسيين.. والأطباء ورجال التربية والقانون وغيرهم من المهتمين بتلك المشكلة وآمن الجميع إيماناً كاملاً بحق الحدث في رعاية كريمة وحسن توجيه وتنشئة سليمة حتى إذا كبر ونضج أصبح قادراً متمكناً على مواجهة تبعات الحياة ومضطلعاً بتبعية كاملة في بناء المجتمع ونمائه.
ونظراً لحاجتنا جميعاً لمزيد من الوعي حول هذه الظاهرة المثيرة للدهشة من درجة استفحالها حتى باتت خطراً يهدد أركان المجتمع لما قد ينتج عنها من أعمال ترهب المجتمع والوطن.. بمعنى تتحول على المدى إلى ارهاب مزلزل لابد من الإشارة إلى أهم العوامل المؤثرة في جنوح الأحداث.. فقد ثبت أن تصدع أركان الأسرة وتفككها بسبب طلاق أو تعدد حالات الزواج أو وفاة أحد الوالدين أوكليهما له كبير الأثر في الاضطراب النفسي والاجتماعي لدى الأحداث وهذا بدوره قد يؤدي إلى الجنوح مع مرور الأيام.. كما أن عدم تلبية الحاجات الأساسية للحدث من سكن وملبس وغيرها من الضروريات التي تفرضها الحياة المعاصرة إما لفقر أو حتى بخل هي من العوامل التي تُرمى خلف جنوح الأحداث.. إلا أن ما يأتي على قائمة العوامل المسببة لجنوح الأحداث وانحرافهم هو العنف الجسدي والعنف اللفظي الذي قد يمارسه أحد الوالدين أو كليهما على الأبناء.
الحديث عن العنف الأسري وعلاقته بجنوح الأحداث حديث طويل وقد حاول كثير من المنظرين تفسيره وفهم طبيعة الأشخاص المُمارس بحقهم هذا النوع من العنف ومدى تداخل العوامل الذاتية والبيئية والتربوية.. الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تضيق أو تتسع قياساً بنوع الجنوح.. عموماً يبقى العنف الأسري مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بجنوح الأحداث وانحرافهم.