د.علي القرني
عندما قال السناتور الأمريكي جون مكين قبل حوالي عام إن المملكة استطاعت أن تركع روسيا ولم تستطع الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية ذلك، فكان يعني بل يعتقد أن الانخفاض الحاد لأسعار النفط كان سببه المملكة،
وقد استطاعت هذه الدولة -حسب ماكين- أن تلقن روسيا درساً حيث إن الاقتصاد الروسي يعتمد كثيراً على النفط في إيراداته الإستراتيجية. وفعلاً بدأت كثير من المؤسسات والشركات الروسية تنهار نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وكان حينها حوالي الستين دولاراً للبرميل.
ولكن وصول سعر البرميل الحالي ونزوله دون مستوى الأربعين دولاراً ينذر بكوارث اقتصادية كبيرة ستهز الدول النفطية في العالم، وتؤثر على إيرادات اقتصادية أساسية في ميزانيات تلك الدول. وقد نادت كثير من الأصوات بأن تتدخل المملكة عبر منظمة الأوبك أو منفردة للتدخل للتأثير على حركة أسعار النفط، ولكن المملكة التزمت الصمت، ولم تتدخل حتى بتصريحات يمكنها أن تؤثر على أسواق النفط.
صحيح أن انخفاض أسعار النفط يؤثر على اقتصاديات روسيا وإيران ويحجم دعمهما للإرهاب أو الأنظمة الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن وصلنا إلى مرحلة خطيرة جداً في تسعيرة النفط، التي ربما تسجل خلال الأسابيع القادمة انهياراً كاملاً، ويصبح سعر النفط دون العشرين دولار أو أقل وهذا يعيدنا إلى فترة السبعينيات الميلادية.. ومن هنا فإنني أرى أن المملكة آن لها أن تتدخل وبقوة حجمها ومكانتها لتنتهج سياسة جديدة للتأثير على أسعار النفط في العالم.
إن النفط كما فهمناه ليس لعبة سياسية ولكنه مصدر اقتصادي حيوي لكثير من الدول ومن بينها المملكة، ومن هنا فإن المرحلة الحالية لأسعار النفط وصلت إلى درجة خطيرة ستؤثر فعلاً على منابع الحياة العامة والخاصة للدول، وستعرقل خططها التنموية. وإذا تعود السوق على سعر منخفض ولفترة طويلة فسيكون من الصعوبة ارتفاعه إلى مستوى مقبول للدول النفطية.
وأقترح أن تسعى المملكة إلى اجتماع عاجل لدول منظمة الأوبك إضافة إلى شركاء من دول نفطية أخرى في الرياض لبحث هذه الأزمة الخطيرة التي تلف العالم، ومجرد الدعوة لمثل هذا الاجتماع سيكون له تأثيره المباشر على أسعار النفط، لأن الأسعار الحالية ليست خاضعة لمعطيات موضوعية صرفة وإنما لعوامل نفسية كثيرة. ولا شك أن دول النفط في العالم سواء في منظمة أوبك أو خارجها تضررت كثيراً من هذه الأسعار وبدأت في دورة كساد اقتصادي يطول مجمل ملامح الحياة في تلك الدول، ومن هنا فإن المملكة يجب أن تتصدى لهذه المحاولات الخفية التي تخطط لها قوى معينة في العالم بهدف سحب مصادر القوة الاقتصادية من دول منطقة الشرق الأوسط، وتحييد هذه القوة التي سيكون لها أثرها على القوة والتأثير السياسي لهذه الدول.
المملكة منذ عقود وهي تتحكم في أسعار النفط ولو بطريق غير مباشر، ولها مكانتها وتأثيرها على الدول الأعضاء وخاصة في دول منظمة الأوبك، ومن تجارب سابقة أي تصريح سعودي من أي مسؤول في أي مستوى له تأثيره على حركة الأسعار في الأسواق العالمية. ومن هنا يجب أن تضع المملكة أولوية قصوى في هذه المرحلة لانتشال النفط من كساده الحالي، ووضع حلول عملية تساعد على رفع مستوى الأسعار.
إن النفط لدول كثيرة في العالم ومنها المملكة ليس سلعة ثانوية أو هامشية في اقتصادياتها، ولكنه سلعة حيوية جداً وتتوقف عليه كثير من أوجه الحياة العامة للدولة أو أوجه الحياة الخاصة للمواطنين، ولهذا فإننا في المملكة نحتاج لأن تسعى الدولة إلى وضع حد لانخفاض أسعار النفط، وعمل الجهود الكافية لبدء ارتفاعه من جديد. ولو تم مثل هذا الاجتماع من دول أوبك ودول من خارجه بما فيها روسيا فسيكون في مقدمة أجندات هذا الاجتماع هو تخفيض الإنتاج من كافة الدول، ومن المتوقع أن يجد مثل هذا الاقتراح القبول من كافة الدول لأنه سيكون له أثره الكبير على خفض العرض في الأسواق وستتبعه لاشك زيادة في الطلبات تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار.
إن المملكة بما تحتله من مكانة اقتصادية عالمية سيكون لها دور مهم في أخذ مثل هذه المبادرة لجمع الدول النفطية في العالم والاجتماع في الرياض، واستقطاب دعم تلك الدول في وضع سياسة نفطية جديدة في العالم، ولا باس من انضمام دول أخرى لمنظمة الأوبك حتى يتسع تأثير هذه المنظمة ويصبح لها صدى أقوى في العالم وفي الأسواق العالمية.