د.علي القرني
ثقافتنا في الإعلام الاجتماعي تختلف عن باقي الثقافات لدى شعوب ومناطق أخرى سواء خليجية أو عربية أو أخرى آسيوية أو غربية.. لدينا ثقافة تختلف عن غيرنا فيما يتعلّق بشبكات التواصل الاجتماعي، فنحن مختلفون عن كثير من باقي شعوب ودول العالم، لأننا مجموعة من التراكمات الثقافية التي تضيف الكثير من سوء الفهم والتشويش والتعقيدات على تعاملاتنا مع الآخر ومع أنفسنا ومع القضايا والموضوعات التي نتناولها.
إن الشخصية العامة التي نشاهدها للإنسان السعودي (رجلاً أو امرأة) في بعض الأحيان وهو يتداخل أو يتجادل مع آخرين في شبكات التواصل الاجتماعي ليست الشخصية التي نعرفها عن هذا الإنسان أو تلك الإنسانة التي نعيش معها ونعرفها، بل هي شخصية «غير» في شكلها ومضمونها واتجاهاتها وألوانها. من يراقب ثقافة الرد والمشاركة والتفاعل والطرح مع مختلف منصات التواصل الاجتماعي للإنسان السعودي سيجده «غير» الإنسان الذي ألفناه وعرفناه.
ومن متابعتي الشخصية لسلوكيات البعض منا وليس الكل فأنا لست من مناصري التعميم والتنميط الشعوبي، لاحظت التالي من متابعتي الدقيقة لهذه السلوكيات التواصلية:
1 - لا يوجد احترام للصغير أو للكبير، فمهما كان الشخص الذي تتحاور معه فإن مقامه ومكانته وشخصيته لا تعنيك بشيء. فأنت تضع نفسك أمامه وأفضل منه وأفهم منه. فهذا باختصار أهم ملامح شخصياتنا على الإنترنت، نضع أنفسنا فوق الجميع ونتباهى بأنفسنا ونفتخر دون أدنى مسئولية أخلاقية أمام الجمهور العام الذي نواجهه بكلامنا وتغريداتنا.
2 - التعالي دائماً هي السمة التي تغلب على شخصياتنا الكرتونية التي نشاهدها كل يوم في تفاعلات مع تغريدات أو شخصيات عامة، فدائماً نتعالى على هذه الشخصيات ونضع أنفسنا دائماً فوقها، بمعنى أننا نفتقد تماماً لخاصية التواضع التي يدعونا إليها ديننا الحنيف وتحثنا عليها عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة.
3 - لا نعط بالاً للتخصص، حيث نضع أنفسنا أعلى من التخصص وأفضل من الخبراء وأعلى سلطة من الجميع. فقد يتداخل شخص في الثانوية (ولكونه في الثانوية ليس عيباً أبداً) في حوار عن الفيزياء النووية أو نظريات التربية أو قوانين الطبيعة، دون مبالاة أو اهتمام أو تقدير لمن قضى عمره يدرس ويتعلّم ويتخصص في مجال من المجالات. فهذه الفوقية التي تنغرز فينا فجأة أمام أهل الاختصاص تعكس ضيقاً في أفق التفكير وانسداداً في مناسم الحقيقة وضعفاً في فهم قواعد الحياة وأخلاقيات العلوم.
4 - لغة التحاور تفتقد لأبسط قواعد الأدب والمجاملة واللياقة المطلوبة، وكأننا نعيش في حالة من انعدام الأخلاق والآداب فيما بيننا كأشخاص نتحاور ونتجادل في أي موضوع أو قضية. ونحن نعلم أن هذه الشخصيات تمتلك في داخلها أفضل مما نشاهده عنها في أفق الإنترنت، ولكن يبدو إن الإنترنت دمر هذه الجماليات التي نمتلكها داخلنا.
5 - تظهر كلمات نابئة وعبارات ساقطة في مثل هذه الحوارات وتعكس ثقافة متردية في الحوار، وتهالكاً في قيم الأخلاق الإسلامية التي يفترض أن نعيشها ونتربى عليها. وهذه العبارات غير اللائقة تهوي بالحوار إلى أدنى مستوياته وتضع الأمور في آفاق مسدودة ومنحدرات غير قابلة للرجوع والعودة.
هذه بعض ملامح شخصياتنا التي أشبهها هنا بالكرتونية لأنها فعلاً بعيدة عن شخصياتنا الحقيقية التي تربينا عليها أو تعلمناها في المدرسة أو الجامعة أو المنزل أو بين أصدقائنا وأقاربنا. وإذا أردت المقارنة فادخل حوارات في ثقافات أخرى وليكن أقرب لنا الثقافة الخليجية أو بعض الثقافات العربية فستجد أننا نعيش عالما مختلفاً عنهم، فكم هو مؤلم أن نجد ثقافتنا تتدنى عن تلك الثقافات وتعكس لنا ولغيرنا إننا فعلاً افتقدنا الهوية الوطنية والهوية الإسلامية والهوية العربية وأصبحنا في فلك آخر يدور بنا في أرجاء جديدة علينا قلباً وقالباً. ونحن هنا لا نريد أن نلغي اختلافاتنا فهناك اختلافات طبيعية تكون بيننا عندما نتحاور في أي موضوع، ولكن نؤكّد على أهمية الاحترام الذي يجب أن يكون هو أساس العلاقة التي تربط بيننا في أحاديثنا وحواراتنا. وعلى الرغم من كل ما قلنا نحتاج الاستدراك إلى أن هذه الطبائع ليست فينا جميعنا، فما زال الكثير منا يتمتع بأخلاق نبيلة وحوارات بناءة وقيم جمالية في الحوار حتى ولو اختلفنا فيما بيننا.