د.علي القرني
كنت قد استمتعت بقراءة مقال زميلي وصديقي الدكتور جاسر الحربش يوم الاثنين الماضي عن «مهارات الكذب»، وكان يستعرض مثل هذه المهارات لدى شعوب المنطقة، وخصوصًا بمقارنة بين الشعب الإيراني والشعب العربي. وأشار إلى مهارات الكذب المذهبية التي تستهدف أصحاب العقول التي تصدق ما يقال لها تحت مفهوم «التكاذب»
المتعمد بهدف التغرير بالبسطاء وحشي أذهانهم بمقولات لا أساس لها من الدين أو العقل.
وعرج الدكتور الحربش إلى موضوع الكذب الإعلامي الإيراني واختلافه بين كذب للرأي العام المحلي عن الرأي العام الدولي. وهنا أرى أن مثل هذا الموضوع يستحق وقفات عديدة لدى المختصين في الإعلام ولدى الباحثين في أساليب الدعاية Propaganda. وهنا لا بد أن نعرج لأستاذهم الذي علمهم الكذب وهو وزير الدعاية النازية جوبلز الذي يستشهد به الكثير ممن يعود إلى أدبيات الدعاية كحقل من حقول الإعلام والحرب النفسية، فقد قال: إنه كلما كانت الكذبة كبيرة كانت فرصها أكبر في التصديق، كما في نفس السياق مقولة إن تكذب وتكذب حتى يصدقك الناس.
وإذا عدنا إلى الحرب الإعلامية التي تشنها إيران على المملكة سواء من ماكينة إعلامها أو من خلال ماكينات إعلامية لدى بعض الموالين لها في حزب الله أو الحوثيين أو في النظام السوري أو غيرهم من «المتشيعين الإعلاميين»، سنجد أنها مليئة بالكثير من «المقولات الكذبية» التي يرددونها يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة ومن خلال أدوات إعلامية أو تصاريح سياسية أو أفواه ارتزاق إعلامي في شبكات التواصل الاجتماعي، فكلهم امتداد للدعاية الإيرانية المستمرة منذ عقود، ولكنها ازدادت مؤخرًا بحكم مستجدات المواقف السياسية والعسكرية الواضحة للمملكة ودول التحالف العربي ومحاولتها في استعادة الشرعية السياسية في اليمن التي تأتي على حساب الحوثيين والوجود الإيراني في اليمن.
والمشكلة الكبرى التي نواجهها أن إيران بكذبها المباشر استطاعت أن تنجح، ونحن بصدقنا الحقيقي لم نستطع أن ننجح، بمعني أن تسويق الكذب عبر الأبواق الإيرانية نجح ونحن لم نستطع أن نسوق الصدق والحقيقة عبر أجهزة إعلامنا. وهذه مفارقة غريبة، فهل نحن نعيش في زمن يجب أن نكذب فيه أو أننا عاجزون عن تقديم الحقائق إلى العالم؟
ومن المؤكد أن إيران ومنذ فترة طويلة وهي تسعى إلى مد نفوذها ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن في أرجاء مختلفة من العالم مثل آسيا وفي إفريقيا، إضافة إلى امتدادها الافتراضي في المنطقة، وهي المنطقة الحيوية لإيران. وقد كانت «عاصفة الحزم» التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- هي المنعطف الأكثر إيلامًا للسياسة الإيرانية خلال عقود من الزمن، فقد هزت النفوذ الإيراني، وأوقفت عمليات التطويق على المملكة التي تعد هدفًا إستراتيجيًا لإيران منذ انطلاق الثورة الخمينية عام 1979م وإلى الآن.
ونعود لنعترف أن أجهزة الإعلام لدينا لم تستطع أن تواكب الموقف السياسي للمملكة، فما زلنا في أزمة «إعلامنا لنا» وليس لغيرنا، ومعظم جهودنا تصب في خدمة الاستهلاك المحلي، وهذا بكل صدق يفشل الإدوار السياسية للمملكة في المجال الإعلامي. وعادة يعاني الإعلام الرسمي سواء في المملكة أو في غيرها من الدول النامية بشكل عام من مشكلة توجيه الرسالة الإعلامية إلى الجمهور المحلي فقط. وإذا تمعنا النظر في كل رسالة إعلامية صادرة من أجهزة إعلامنا سنجد أن مستهدفها النهائي هو الرأي العام المحلي، وأحيانًا يكون مستهدفها هو أشخاص داخل هذا المجتمع. وهنا تختلف الماكينة الإعلامية السعودية عن الماكينة الإعلامية الإيرانية في كون مختلف أجهزة الإعلام الإيرانية ومختلف الأصوات التابعة لها تتوجه للرأي العام الدولي وخصوصًا الرأي العام الإقليمي.
كما أن هناك مشكلة أخرى تعاني منها أجهزة الإعلام السعودي وهي عدم وضوح «الرسالة» الإعلامية، وهذا ما يؤدي إلى ضبابية الرؤية في الأداء الإعلامي، وعدم التمكين الحقيقي للوصول إلى المستهدفين من الجمهور الخارجي. كما أن إعلامنا لا يزال يقع في دائرة ردة الفعل لما يقال في أجهزة الإعلام الإيرانية وليس إعلام مبادرات نوعية تفرض أجندتها على الساحة الإعلامية في المنطقة.