د. محمد عبدالله العوين
أعان الله الشباب الذين يتخرجون لتوهم من الجامعات ويضعون أقدامهم على العتبة الأولى في سلم الوظيفة الحكومية أو القطاع الخاص.
أعان الله الشاب الذي يتخرج من الجامعة فرحا منتشيا بشهادة التخرج بعد جهد جهيد بذله الجادون المخلصون خلال أربع سنوات، وبعد رحلة نزهة بين أروقة الجامعة وقاعاتها استمتع بها اللاهون العابثون خلال أربع أو ست سنوات نتيجة كسلهم أو عدم انتظامهم!
يحمل الشاب شهادته الجامعية ويعلقها نيشانا على صدره معتقدا أنها ستفتح له آفاق الدنيا وستتيح له أرقى وأجمل وظيفة وستدر عليه دخلاً سخياً يمكنه من تحقيق آماله الحالمة المنتظرة في الحياة خلال فترة وجيزة لن تطول.
يحلم الشاب بعد الجامعة ببيت وزوجة وسيارة ودخل يسد حاجته ويكفيه شقاء الاقتراض من البنوك؛ ولكنه يصطدم بالواقع المر عند أول خطوة يخطوها بحثا عن عمل؛ إِذْ قد يفرض عليه شح الوظائف الانتظار سنوات والاضطرار إلى البحث عن فرص عمل مؤقتة بأجر بخس سنوات قد تطول وقد تقصر، ثم يمتد به الانتظار إلى أن يستطيع جمع قليل من المال لشراء سيارة، ثم يمتد به الانتظار سنوات إلى أن يستطيع جمع كثير من المال لمواجهة تكاليف الزواج وتأثيث مسكن خاص مستأجر؛ أما أن يمتد طموحه إلى أن يَتملك سكنا خاصا فلابد حتما أن يطول به الانتظار إلى أن يسدد تكاليف ما أنفقه للزواج ثم يبدأ في اقتراض جديد لشراء قطعة صغيرة في موقع ناء جدا عن المدينة التي يسكنها، ثم عليه أن ينتظر عقداً من الزمن وقد يزيد إلى أن يستطيع جمع مبلغ كبير جدا من المال لبناء بيت العائلة الحلم الوعد الذي ينتظره أبناؤه مذ شبوا عن الطوق، وبدأ يحدثهم عن منزلهم المنتظر القادم وقد وصلت أعمار هؤلاء الأبناء إلى خمسة عشر أو عشرين عاما، ثم تكاثروا وضاقت بهم شقتهم المستأجرة المتغيرة المتحولة من حي إلى حي، أما هو فقد بدأ البياض ينتشر على فوديه ويجلل شاربه الصَّغير وناهز الخمسين من عمره!
يا أيها الشاب الصبور المكافح الذي يتخرج في رحاب الجامعة إلى الدنيا بكل الآمال الزاهية الجميلة المتفائلة؛ عليك أن تعقد عزائمك على التوكل على الله في تحقيق أهدافك ونيل مطالبك ثم السعي إلى ما تتمنى وتصبو إليه بأكبر قدر يمكن لك أن تتحلى به من طاقة الصبر، ثم عليك أن ترجئ ما يمكن إرجاؤه من غايات الشباب ومتعه السريعة المتقضية التي تفنى ولا يبقى لها أثر محمود يعجل بوصولك إلى المحطة التالية التي تسعى إليها في سيرك الحثيث إلى تحقيق أهدافك : وظيفة مرموقة ثم زوجة تقاسمك الحياة ثم أرض ثم بيت للعائلة.
أعان الله الشاب الفرح بنيل شهادته الجامعية الذي طرق أبواب الحياة بتفاؤل وبعزيمة وبطموح لا حدود له؛ لكن..
كيف يمكن أن يحقق شاب نصف أهدافه أو بعضها قبل أن يصل إلى منتصف العمر وهو لا يمكن أن يقبض آخر الشهر مبلغا يتراوح بين 5000 - 8000؟! وسيستمر سنين طويلة إلى أن يزيد ببطء شديد والعمر يزيد ومطالب الحياة تزيد ولن يستطيع توفير ما يحقق آمال الزواج ثم الأرض ثم المنزل المؤثث؟!
كم سينتظر الشاب المتدفق صحة ونشاطا وحيوية من السنين كي يتزوج؛ وهو في سن الفورة العاطفية والجنسية؟!
وكيف لنا أن نحمي شبابنا من نزغات الرغبات الفوارة أمام كل عوامل الإغراء والفتنة وهو لا يملك ما يقيه من الغرق في بحورها الزاخرة وأعاصيرها العاصفة؟!
وكيف لنا أن نحمي شبابنا من تهييج المضللين ودعوات المنحرفين يمينا أو شمالا وهم قد يجدون في نفوس شابة أنهكها السعي الحثيث نحو لقمة العيش وتوفير مطالب الحياة الضرورية؛ ولكن دون نيلها سنون طويلة من الصبر أو التصبر والانتظار الممل؟!
وكيف لنا أيضاً ألا تضيق بيوتنا بفتيات في عمر الزهور يطول بهن الانتظار ولا يطرق أبوابهن خاطب لا يملك دخلا كافيا للإنفاق على أسرة صغيرة ناشئة تتكون؟!
أعانكم الله أيها الشباب..