د.ثريا العريض
نهاية شهر أكتوبر تأتي ليلة الهالوين يستعيد فيها الغربيون ذاكرة ماقبل العقائد السوية، بليلة تنكرية تمسرح استرضاء الأرواح والأشباح.. ويخففون وطأة الرعب المتوارث من المجهول بتحويلها إلى فعاليات جماعية يخرج فيها الأطفال الأبرياء ليمثلوا دور الأشباح الشريرة يطرقون أبواب المنازل ليسترضهيم سكانها بالهدايا من الحلويات. وقد يتقمص البعض شرها لنزعة شر كامنة فيهم فيتمادى بتوزيع ما يحمل مرضاً وخطراً. ولدينا في المنطقة ممارسات مشابهة في التفاصيل.. حيث جذور الخوف البشري من المجهول، والشر البشري المتوارث ظاهرة كونية مشتركة ومتجذرة في تاريخ الجهل العلمي.
نتحدى الخوف بمسرحة ذاكرته.. وأحياناً يطاردنا بمسرحة الواقع.
كل ليلة بعد نشرة الأخبار تأتي نشرة الرياضة؛ مباريات الكرة التي مسرحت تقاتل القبائل القديمة.. ونشترك عالمياً في ترقب النتائج.
الليلة ككل ليلة أتابع نشرة الأخبار من محطات فضائية ومصادر عالمية متعددة الانتماء؛ وينتابني الشعور بأنني أصغي لصراخ إعلامي متباين بلغات متعددة، يفسر ما يجري في مباراة مصيرية كونية على ملاعب تتحرك جغرافياً من موقع على خارطة العالم إلى موقع آخر، وتتضارب المقولات والتفسيرات حسب ما يمليه انتماء المذيع.
مباراة حامية ناشطة يومياً بين فريقين سميتهما لنفسي، فريق «الاتحاد قوة» وشعاره الأمان والسلام والاستقرار، وفريق «فرّق تسد» وشعاره الصراع والفرقة والتدمير.. تتوالى المستجدات في محيطنا السياسي داخلياً وخارجياً، وبتواتر سريع يكاد لا يسمح بالتأكد من اتجاه الحركة، ومن يتحكم في تحركات الكرة التي ستحدد النتيجة. شيء واحد مؤكد أن الشعوب التي تجلس في مقاعد المتفرجين تطمح أن تكون النتيجة لصالح فريقها الذي تراهن عليه. وكل الشعوب تراهن على فوز فريق الأمن والسلام والاستقرار. وإذا كان لابد من تحركات دفاعية أو هجومية فهي لحماية هدف استدامة الأمن والاستقرار والسلام.
وفي حين إننا المشاهدين في كل موقع نجزم بأننا نرى وجوه اللاعبين في الفريقين، إلا أنهم في الغالب يسترون ملامحهم وبإمكانهم تغيير مواقعهم من فريق إلى فريق.. ما يسبب دواراً وحيرة للمراقبين والمشجعين.
هناك لاعبون رسميون مثل رؤساء الدول، ووزراء الخارجية والداخلية والدفاع، والناطقين الرسميين. وهناك غيرهم فليس كل اللاعبين مخولين رسمياً للعب. هناك غير المشجعين لاعبون مندسون في غفلة أو تغافل الحكام، ولاعبون يرتدون ملابس تقنية تسترهم عن الرؤية وكاميرات المراقبة. كلهم يلعبون: المخولون، والمندسون، والمتحولون والمقنعون ومحركو المشاعر والأشباح المتنكرة.
وبيننا من يدرك أن في اللعبة الراهنة شيئاً مختلفاً، حيث نفتقد وضوح قوانين اللعبة، ولا أحد يميز المدربين من الحكام من اللاعبين. وهناك ما هو أشد إثارة للحيرة والبلبلة. جو «هلاويني» منفلت على قانون اللعبة بوجود لاعب خفي اسمه «الإرهاب» يتحرك دون أن يرى ويترك آثاره موتاً وتدميراً أينما حل.
هناك بيننا من يروق له التعاطف مع من يلعب دور «الشرير» «القوي» «القادر» على التدمير. لا يدرك أنه يعيش تهيؤات مرضية ستنفجر مع أول مصافحة له عن قرب. ووقتها لاتها ساعة ندم.
خذوا مثلاً داعش.. تغطي تحركاته حملة إعلامية مدروسة موجهة لبناء سمعة حضور هوليوودي بإخراج هوليوودي محترف.. حضور افتراضي إعلامياً هو غير اللاعب الذي يتحرك على ساحة الواقع .. خرج من الكواليس المعتمة إلى الميدان المضاء، له هدف واضح أن يخرب اللعبة ويدمر الآخرين ويحول الملعب إلى مسرح للهستيريا التاريخية. لاشك أنه خرج من رحم موبوء ليعيث في الأرض فساداً ويروع المراقبين، لا أبا معروفاً له، ولا أحد يعترف بأنه دربه أو تبناه أو سخره للتخريب القاتل وغذاه ومول سكنه وسهل تحركاته لينفذ له حركاته المخطط لها.
لاعب كاذب يلبس الجهلة المنجذبين أقنعة تاريخية وأحزمة تفجير، ويدعي أنه يوزع هدايا وغنائم وسبايا. وفي الواقع ليس إلا وجهاً ممسرحاً لإرهاب مقنع، لن يوزع على مشجعيه إلا الغدر والموت الزؤام.