ناصر الصِرامي
بين التطرف الديني المؤدي للارهاب والقتل..والتطرف السياسي المشجع على التصادم وحرق العالم.لدينا اليوم أكثر من دونالد ترامب -المرشح للرئاسة الأمريكية الذي طالب بمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية بلاد الحلم والحرية كما نعرفها-، وإن كان ترامب يخالف أبسط مبادئ الدستور الأمريكي، فهو أيضا لا يمثل كل قصة التطرف السياسي الغربي في العالم اليوم..!
هناك في الجانب الأوربي، وتحديدا في فرنسا- بلد التنوير والحضارة الإنسانية- قصة أخرى خطرة في التطرف السياسي والأخلاقي، بل قد تكون اشد تدميرا من قصة رجل الأعمال- والاستعراض الأمريكي.
وأعني.. زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا «مارين لوبان»، التي سبق لها أن مثلت أمام محكمة مدينة ليون بتهمة الكراهية العنصرية، كما تشبيهها صلاة المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي.
ودائماً ما تثير الجدل في تصريحاتها ضد الإسلام والمسلمين وتحريضها على الكراهية والعنصرية ومعاداتها للسامية، مما دفع عدداً من النواب الأوروبيين للمطالبة برفع الحصانة البرلمانية عنها.
وهي الآن تقود حزبها المعروف بمعاداته للهجرة وللاتحاد الأوروبي، والخروج من منطقة اليورو والانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، ورغم تنبيه الرئيس الفرنسي، هولاند، الفرنسيين إلى عدم المخاطرة بدعم اليمين المتطرف، وما يمكن ان يحدثه فوزهم من خسائر دولية كبيرة لباريس، إلا أن حزبها يستقطب المزيد من الأنصار والانتصارات السياسية.
فقد تصدرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البلدية لـ21 مدينة فرنسية، وبعد فوزها في معاقل اليسار المهمة. وهو امر يقلق كل المدافعين عن القيم الإنسانية التي جاءت بها الثورة الفرنسية.
من بين مواقفها العنصرية، موقفها من لاعبي منتخب فرنسا لكرة القدم، من ذوي الأصول الجزائرية ككريم بنزيمة وسمير ناصري، بالإضافة إلى فرانك ريبيري المتزوج من جزائرية. ووصفتهم بالمنحرفين وعديمي التربية ولا يحبون فرنسا، ولا يفتخرون بتمثيلها، وقالت «إنهم لاعبون سيئو التربية»..!
كراهية الآخر، وهنا الأجانب والمهاجرين على رأس أجندة حزبها المعلنة، حيث تحارب الجبهة الوطنية ضد المهاجرين، ولاسيما المسلمين منهم.
والمقلق جدا إن خطابها يجد اليوم صدى لدى الفرنسيين، وهو ما يثير قلق ومخاوف الأجانب، وبخاصة العرب والمسلمون الذين يعتقدون أن مستقبلهم سيكون قاتما إذا تمكن اليمين المتطرف من تحقيق طموحاته السياسية، في ظل العداء الواضح الذي يكنه الحزب لهم، والشعارات التي يرفعها دائما والتي ترى في الأجانب السبب الرئيس في كل مشاكل فرنسا..!
يجب أن نشير إلى أن اكتساح الحزب اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان الجولة الأولى من انتخابات المناطق. وتحوله إلى الحزب السياسي الأول، جاء بعد أسابيع من هجمات باريس.
وحقق الحزب المتطرف مكاسب بعد اعتداءات «داعش» الإرهابية في باريس في 13-11، لكن العلاقة بين التطرف والأحزاب اليمينية خطيرة جدا ومعقدة وملفتة أيضا، كل منهم يمد الآخر بأسباب الحياة القوة.
إرهاب «داعش» يغذي التطرف السياسي، وعنصرية المتطرفين اليمينيين تساهم في نمو التطرف، بل وتمنح المنظمات الإرهابية قوة كبيرة لجذب الكوادر والمجندين، ممن سيشعرون بالإحباط والعزلة ورفض المجتمعات لهم.
في هذا السياق نفهم كيف لحزبها المتطرف أن يرفض بشكل قاطع-مثلا- توجيه ضربات ضد «داعش» في سوريا رغم بشاعة الاعتداءات التي ضربت باريس.
وللأسف فإن انتشار أفكار اليمين المتطرف سيخلق تصادما جديدا مع الجاليات المسلمة، وزيادة أعداد المتطرفين وربما العمليات الإرهابية.
بمباركة كل المتطرفين في العالم من أمريكا إلى فرنسا إلى دولة البغدادي..يبقى التطرف الديني -السياسي يغذي بعضه بعضا عبر حبل سري..
صحيح أن الأمر لم يحسم بعد لليمين ولازالت القوى السياسية تراهن على الإرث الفرنسي المؤمن بالاختلاف والحرية، للوقوف في وجه كل الأفكار المتطرفة، إلا أن هذه النازية الجديدة تهدد تعدديته الثقافية والدينية..فالغرب ذاق النازية ويعرف ماذا يمكن أن يقوده الرجوع إلى الخلف..إلى التطرف والإقصاء والنازي..!