محمد الشهري
** لا يمكن لأي عاقل أن يجادل حول مدى صواب الحكمة الكامنة في مضمون مقولة: (معظم النار من مستصغر الشرر).. كما لا يمكن لأي رجل راشد أن يقلل من مخاطر تنامي وانتشار أسباب ومصادر (صغار الشرر)، إذ إن شرارة متناهية الصغر كفيلة بإحراق مدينة بأكملها.
** في وسطنا الرياضي بدأنا نشاهد بعض الوقائع والأحداث الغريبة على هامش بعض المباريات مثل الاعتداءت بالأدوات الحادة، وشاهدنا بعض الشغب الجماعي مما ينذر وينمّ عن أن المسألة قد تجاوزت نطاق المحاذير من صغائر الشرر إلى ما هو أكبر وأخطر، ليس على صعيد ومستوى كرة القدم وما يدور في فلكها فحسب، وإنما على أكثر من صعيد وأكثر من مستوى، وعلى نطاقات أعمّ وأوسع؟!.
** يجب أن نعلم أن هذه الظواهر وما قد ينتج عنها من تبعات مريرة -لا قدر الله-، لم تكن وليدة الصدف، وإنما هي نتاج انفلاتات وفوضى تبنّتها وكرّستها بعض الصحافة المتخصصة (المراهقة) التي تقيس معدلات نجاحاتها ومكاسبها بمدى ما تتعاطاه وتنشره من إثارة رخيصة ظاهرها الحريّة والمهنية، وباطنها تأليب وشحن الجماهير ضد بعضها البعض؟!!.
** ولكي تكتمل الصورة (القبيحة) فقد واكبت وتزامنت هذه الطفرة الانفلاتية مع ظهور طفرة برامجية فضائية محمومة تتلقف كلما تجود به تلك الصحافة من أفكار تحريضية هدامة، بل وتضيف إليه الكثير من (البهارات) من خلال استقطابها لبعض السحنات المتشبعة بثقافة المدرجات والاستراحات حتى الثمالة، وتقديمهم للمشاهد على أنهم أصحاب فكر يعتد به، ولكنها ما تلبث أن تتكشف على حقيقتها، وأن المدرجات هي أنسب الأمكنة التي يمكن من خلالها تفريغ شحناتهم وأزماتهم النفسية، لا صفحات المطبوعات وشاشات التلفزة؟!!.
** هاكم هذا الأنموذج لفكر أحد الذين يفترشون مساحات الصحف، ويحظون بإعجاب واهتمام البرامج إياها، وقِس عليه ما شئت من ذات العينة التي فضحها وعرّاها تويتر.
** إذ يقول في حسابه التويتري وبالحرف والنص: (إذا لم يحوّل لاعبو الأهلي مباراتهم القادمة ضد اتحاد القدم -يقصد مباراة يوم الخميس الماضي بين الشقيقين الهلال والأهلي الدورية- إلى داحس وغبراء يُسمع فيها طحن العظام، فلا يلعبوها.. اقتلعوها من عيونهم).
** لاحظ يا رعاك الله مستوى ونوعية اللغة التي استخدمها، داحس وغبراء، طحن العظام، اقتلاع، لا يلعبوها، لاحظ أيضاً مَن يعني باتحاد القدم؟!!.
** هذه عيّنة ممن سبق أن حذّر العقلاء -على مدى سنوات طوال- من مغبّة تصدّرهم للمشهد الإعلامي باعتبارهم دعاة انفلات، ورموز شَرّ، إن هو تُرك لهم الحبل على الغارب للتمادي في بث سمومهم وترجمة أزماتهم النفسية سواء على الورق، أو من خلال الشاشات بغية إخراج مسابقاتنا عن إطارها الطبيعي، وتحويلها إلى صراعات عدائية وإلى مناحات يشبعون فيها لطماً وعويلاً!!.
** يقول المثل الشعبي المصري الدارج: (اللي ما يشوفش بالغربال يبقى أعمى) فما بالنا والأمور اليوم قد تجاوزت كثيراً نطاق استشعار أخطار صغار الشرر، وتخطّت كثيراً حيز النظرة من الغربال؟؟!!.
** عزيزي المسؤول: المسألة لم تعد مسألة تفاؤل وتشاؤم.. المسألة أضحت معضلة ماثلة يجب اجتثاثها قبل استفحالها، لا نريد تطبيق ما حدث في الملاعب المصرية من مآسٍ استُغلّت فيها الرياضة أبشع استغلال لصالح أجندات أخرى لا علاقة لها بالرياضة؟!!.
** أن يتحول التشجيع إلى (هوس)، وأن تطغى بالتالي حساسية عوامل الانتماء للأندية على ما عداها من واجبات ومكونات أساسية في حياة الناس، مثل واجب الغيرة على الدين وعلى الوطن وعلى المجتمع، هنا يجب استشعار القادم من المخاطر، لماذا؟؟.
** لأن أدوات الخطر (البشرية) حينذاك تكون فاقدة لأدنى مقومات التحكم السليم في عواطفها بفعل الشحن الزائد، وبالتالي افتقادها للقدرة على تحكيم العقل باعتبارها مما يُعرف بـ(الدهماء) التي يختلط فيها الجاهل بأعمى البصيرة، والأحمق بالحاقد، والمتهوّر بفاقد الأهليّة، وحديث التجربة بحديث السن؟!.
** نصف قرن من الالتصاق بالساحة الرياضية عبر مراحلها ومنعطفاتها وسبر أغوارها، ألا تكفي هذه المدة الطويلة من العمر والمعايشة والتجارب لأن تمنحني حق التوجّس واستشعار المخاطر، وبالتالي منطقيّة أخذ ما أقوله بعين الاعتبار من قِبل من يعنيهم الأمر بعيداً عن المكابرة، وبعيداً عن الاستهانة بالرؤى المخلصة والأمينة؟!.
** أوقفوا مصادر التفنن في شحن المجتمع الرياضي بشتى أنواع الكراهية والعدائية، أعيدوا لنا تنافساتنا الرياضية الخالية من البغضاء والشحناء.
** اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد.