حمّاد السالمي
تطلق الحكمة على العلم والفقه في الدين، وعلى العقل، وعلى الورع، وعلى أشياء أخرى بناءة، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: (الأمر الذي يمنع عن السّفه)، فكل كلمة، وكل مقالة تردعك عن السّفه، وتزجرك عن الباطل، فهي حكمة. وهكذا كل مقال واضح صريح، صحيح في نفسه،
فهو حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله جلّ جلاله، ومن بعد ذلك كله تأتي أقوال البشر.
«ومن الحكمة؛ جاء الحكيم والحُكم والحَكم والحاكِم والمحكوم». فعلى مرّ تاريخ العرب والمسلمين، كانت مجالس الحُكام وكبار القوم، للحوار والتشاور، وتداول الكلام المفيد مثلًا أو شعرًا أو طرفة، ففيها يلتقي الحاكم بالحكيم والمحكوم، وفيها تحضر الحِكَم، وتتجلى روابط الود والمحبة، وتنفسح الرؤى في جوانب علمية وفكرية وثقافية وسياسية واجتماعية وخلافها.
«في لقائنا بخادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان بن عبدالعزيز) حفظه الله، ظهيرة يوم الأربعاء قبل الفارط، رأيت بداية؛ (سلمان بن عبدالعزيز آل سعود)؛ الذي عرفته قبل اليوم في إمارة الرياض. سلمان الصحافي الأول، والقارئ الأول، والناقد الأول، والموجه الحكيم للصحافيين والكُتّاب، الذي يقرأ ما يكتبون، وينقد ما يقولون، ويصحح لهم ما يرى أنه مخالف لدين أو أخلاق أو قيم وتاريخ وحقائق ثابتة.
«هذا المجلس إذن؛ هو امتداد لتلك المجالس الحِكمية السلمانية، وهو وما في حكمه من مجالس قيادية وطنية، امتداد لمجالس الحُكم والحِكم منذ عهد المؤسس (الملك عبدالعزيز آل سعود) طيب الله ثراه.
«عندما دخل (سلمان بن عبدالعزيز) الملك مجلسه الكبير في الديوان الملكي، كنا ونحن زملاء مهنة وحرف من شتى الأطياف الثقافية -إعلامية وثقافية وأدبية وفنية- قد أتممنا تقريبًا لقاءاتنا مع بعضنا، وجددنا العهد ببعضنا الذي لم نره من عشرات السنين، بل شاهدنا كيف فعلت السنين الطوال فعلها في هذا وذاك، وتبادلنا بعض الطرف، واستعدنا بعض المواقف، حتى أطل أبو فهد، فإذا هو طيلة مسيره لمكانه في صدر المجلس؛ يتفحص الوجوه التي يعرفها جيدًا وتألفه جيدًا، ويبادل الكل ابتسامته المعهودة بكل ود ومحبة.
«إن الكلمة السامية الذي ارتجلها خادم الحرمين الشريفين في هذا اللقاء؛ جسدت من جديد روح الود التي تربط بين
(سلمان بن عبدالعزيز) ومثقفي وأدباء وإعلاميي هذا الوطن المعطاء، ورسمت من جديد؛ صورة العلاقة التي تجمع بين الحاكم والمحكوم في المملكة منذ عهد المؤسس (الملك عبدالعزيز آل سعود) طيب الله ثراه. هذه هي سياسة الباب المفتوح الذي عبّر عنها (الملك سلمان بن عبدالعزيز) في لقائه التاريخي هذا بإعلاميي ومثقفي المملكة. وهو الذي قال عنها قبل هذا اللقاء في مناسبة سابقة: (إن الدولة دأبت منذ عهد الملك المؤسس -رحمه الله- على سياسة الباب المفتوح، وسار عليها أبناؤه من بعده كمظهر من مظاهر الحكم في المملكة، وأضحت هذه المجالس المفتوحة صورة صادقة للعلاقة بين ولاة الأمر والمواطنين، فيحرص عليها المسؤول، ويحتاج إليها المواطن والمقيم، وتعد مضمارًا لاستقبال المقترحين والشاكين، والتعرف إلى مشاكلهم، والعمل على حلها، وتلمس احتياجات الناس، والنظر في أحوالهم).
«مرة أخرى وفي قصر اليمامة بالرياض، يؤكد ملك البلاد من جديد؛ على سياسة الباب المفتوح التي هي سبب رئيسي في: (تماسك مجتمعنا، فكل مثقفينا وإعلاميينا وكل مستويات البلد عندنا، وكل العاملين في كل مكان إخوة متحابون متعاونون على الحق والتقوى). قال أبو فهد في هذا الشأن: (إن منطلقنا واحد والحمد لله. شعب ودولة، وأحب أن أقول لكم يا إخوان: نتحمل مسؤولية الآن وولي العهد معي وأبناؤنا نتحمل مسؤولية، أن رحم الله من أهدى إلي عيوبي. يكتبون في الإعلام فليكتب من يكتب، لكن أي شيء تشوفون له أهميته الأخرى فأهلا وسهلا، التلفون مفتوح، والأذن مفتوحة، والمجالس مفتوحة).
«مثّل هذا اللقاء الذي أحسنت وزارة الثقافة والإعلام في الدعوة والإعداد له بشكل جيد.. مثّل فرصة طيبة للقاء كُتّاب الرأي والإعلام بخادم الحرمين الشريفين وبسمو ولي العهد، وأن يسمع الكل التأكيد الملكي على الثوابت السياسية الذي عاشها وتربى عليها الكل؛ في ظل أمن وارف واستقرار متين بحمد الله. (يجب أن يكون إعلامنا دائماً كما نحن سائرون على نهج الكتاب والسنة، الذي قامت عليه هذه الدولة- المملكة تشكل الجزء الأكبر من الجزيرة العربية، وهي منطلق العرب، وبالتالي المنطلق للكتاب والسنة).
«أخيراً أقول.. وهذا كلام ليس لنا وحدنا نحن معشر الإعلاميين والمثقفين والكتاب، ولكنه موجه لكل مسئول ومواطن على ترابنا الوطني. يقول لكم سلمان بن عبدالعزيز: (التلفون مفتوح، والأذن مفتوحة، والمجالس مفتوحة).
«إذا كان هذا حال ودأب القيادات العليا في بلادنا؛ كما عبّر عنه سلمان بن عبدالعزيز؛ فما بال البعض من صغار القياديين والمسؤولين في الإدارة العامة والمحاكم في المناطق والمحافظات وخلافها، لا يستقبلون المواطنين إلا بوجوه كالحة كارهة، ولا يردون السلام على مراجع لهم، ولا يؤدون ما ائتمنوا عليه من خدمة كما يجب عليهم..؟!