د. سعد بن عبد العزيز الراشد
لست بغريب عن القصيم وليست القصيم بغريبة عني، فقد عهدتها منذ الصبا وعلى مر السنين زائراً لها للدراسة والبحث الميداني واللقاءات العلمية والأدبية والأعمال الرسمية وللاستمتاع بعبق تراثها ومعالمها التاريخية والطبيعية. لكن وجودي فيها هذه المرة كان له مذاق مختلف بكل ما تعني الكلمة، فقد جاءت بمناسبة عقد ملتقى التراث العمراني الوطني الخامس (17-21 صفر 1437هـ/ 29 نوفمبر-2 ديسمبر 2014م) بمنطقة القصيم برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم وبحضور رُبّان السياحة والتراث صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وقد كان الملتقى متنوعاً في برامجه العلمية ومعارضه وفعالياته التي توزعت على عدد من المدن والبلدات. يحق للقصيم وأهلها تفاعلهم مع هذه المناسبة الوطنية المهمة التي تحظى بدعم وتشجيع رجل التاريخ والتراث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي كان حاضراً في كل عناصر هذه المناسبة الفريدة، كيف لا ومنظومة آثار وتراث ومتاحف المملكة تقع في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري في المملكة الذي أقرته الدولة -أيدها الله- لتمكين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، للنهوض بهذا المشروع الحضاري الكبير بالتعاون مع كافة أجهزة الدولة وأبناء الوطن المخلصين.
تضمن برنامج الملتقى فعاليات متعددة اشتملت على ورش عمل متخصصة ومعارض وزيارات ميدانية لمواقع الفعاليات في عنيزة عيون الجواء والخبراء وفي عدد من المعالم العمرانية التراثية.كان برنامج الأمير سلطان بن سلمان حافلاً بأسمى المعاني والروح الطيبة بتواصله المباشر مع المواطنين بمختلف مشاربهم دونما قيود، وفي زياراته التفقدية لمواقع الفعاليات، وتتبع سير مشاريع التراث العمراني في القرى التراثية والأسواق الشعبية والمساجد التاريخية والمتاحف الخاصة. لقد بذل الجنود المجهولون في الإدارة العامة للإعلام وعلاقات الشركاء في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني جهداً مميزاً في نقل أحداث فعاليات الملتقى عبر وسائل الإعلام المتعددة، كما أبدع أبناء القصم في نقل أخبار الفعاليات وزيارات سمو الأمير سلطان عبر وسائط التواصل الاجتماعية بأساليب وطرائق عديدة فيها من التشويق والإبداع ما يبشر بخير بأن أبناء المنطقة لديهم الوعي الراقي بالتراث ليس لكونه يذكرنا بالماضي بل أنه جزء من تاريخ أمة ومصدر للمعرفة ومردود اقتصادي واعد.
لن أستطرد في الحديث عن فعاليات الملتقى فهي مدونة في كتب ومطبوعات الهيئة وعلى موقعها الإلكتروني لكني سأتوقف عند كلمات وأحاديث صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان في لقاءاته الإعلامية أوفي زياراته لمواقع الفعاليات، وفي كلمته الجميلة التي ألقاها في حفل افتتاح المناسبة.
كانت أحاديثه متنوعة في مضامينها وأبعادها، تؤكد على تلاحم أبناء الوطن مع دولتهم وقيادتهم ويعيشون في أمن وطمأنينة.. وصف سموه القصيم في كلمته في افتتاح الملتقى بأنها» بلد النخوة والكرم والوفاء وبلد الولاء والانجازات»..
يقول سمو الأمير سلطان بن سلمان «الأمة التي لا تحافظ على تراثها الحضاري لا يمكن أن يكون لها مستقبل».. «إنّ أي مواطن وأي إنسان ينظر إلى التراث بازدراء فهو لا يمت لهذا الوطن بصلة ولا ينتمي إلينا».. «إن مواقع التراث التي خرجت منها الوحدة المباركة وجمعت شملنا.. تنادينا اليوم أن نكون وفيين تجاهها وتجاه الذين سكنوا فيها وكافحوا ونافحوا لتقوم هذه الدولة المباركة».. «نحن ننظر إلى أن التراث الوطني يتحول من الاندثار إلى الازدهار ونستوحي في كل ما نعمله من كلمات خادم الحرمين الشريفين الذي وافق على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري».. «ننظر إلى التراث الحضاري لبلادنا على أنه الاقتصاد الجديد الذي سيحقق فرص عمل واستثمار وافر للمواطنين يشتى اختصاصاتهم ومستويات تعليمهم وفي كافة مجتمعاتهم».. «لقد قررت الدولة معادلة التضامن بين السياحة المتوازنة والتراث، هي معادلة ستؤدي بإذن الله إلى إعادة الاعتبار والاحترام لتراثنا الوطني العظيم وجعله في متناول الزائر والأجيال المتعطشة لأن تعيش تراث بلادها في حلته الجديدة التي تحاكي العصر تنظيماً وتطويراً وازدهاراً إن شاء الله».
حقاً إنها كلمات من ذهب قالها أمير السياحة والتراث في بلادنا العزيزة التي تقاطعت على أرضها أقدم الحضارات.
إنّ نجاح ملتقى التراث العمراني الخامس في منطقة القصيم، أعتبره محطة مهمة جداً لانطلاقة أقوى نحو نجاحات متواصلة لتحقيق مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة.
وقبل الختام، نزجي خالص الشكر لسمو أمير منطقة القصيم على جهوده المباركة في نجاح الملتقى وفي متابعة سموه ودعمه للمجتمع المحلي للمحافظة على تراث المنطقة وتطويره، والشكر موصول لأبناء منطقة القصيم على تمسكهم بأصالة التراث والعمل على تطويره ومعايشته وتوظيفه والاستفادة منه.