أحمد محمد الطويان
يجب أن تستفيد المعارضة السورية من دروس الأزمة الطويلة، تلك الدروس القاسية التي أظهرت ضعفاً كبيراً في الفهم السياسي لما يجري، وللواقع على الأرض، وفي قراءة المستقبل.. وجعلت الأسد المستفيد دائماً من الخلافات المستمرة والمتكررة والتي تنتج المزيد من المعاناة كلما أشرقت الشمس على السوريين في الوطن والشتات.
سوريا ليست الأسد، هذا صحيح مائة بالمائة، وسوريا ليست الدم الذي يُراق بأبخس الأثمان، وسوريا ليست التطرف الذي يستعر ويحرق الحرث والنسل، وسوريا ليست العقدة «التي تنتظر ألف حلال» كما يقال في المثل.. نعم من المفترض أن سوريا ليست كل هؤلاء، ولا كل هذه الصفات، ولكنها للأسف هي كل ما ذكر، والحل ليس من الخارج، بل يجب أن يكون من الداخل.
معارضة الخنادق، ومعارضة الفنادق، كلاهما يشتركان في مسؤولية المستقبل المجهول، ومن دون اتحاد أهداف المعتدلين والصادقين، لن تخرج البلاد من أزمتها، وستبقي بيد الإرهاب الذي يرعاه بشار الأسد، واعتقد بأن تضييع الفرص باستمرار، سيجعلهم أقل حماسة على إنجاز ما يحسم الأزمة وينهيها، وسيزيد هذا التفريط الملل الذي بدا واضحاً على وجوه السياسيين السوريين. اليوم لا تريد الرياض استباق الأحداث، وترغب بأن لا يبقى باب الحل السياسي موارباً، بل تريد أن تفتحه على مصراعيه، وأن يتحول الحديث السياسي إلى تفاهمات واقعية، والتزامات ثابتة، وهذا بناء جاد لأي جهد سياسي بُذل في فيينا أو غيرها.
لم نسمع أي رأي سياسي أو موقف لا يدعم التوافق السوري، سوى موقف الحكومة الإيرانية، والتي تعترض بدرجات متفاوتة، رغبة في تقليص القوة السعودية المتزايدة في المنطقة، وإمساك الرياض بمعظم الأوراق بحزم لم يتوقّعه الإيرانيون. روسيا لاعب مؤثِّر في الأزمة السورية، ودورها مهم، وهي تنظر لتحركات الرياض بارتياح، ولعل هذا ما ظهر في الاتصال الذي جرى بين الجبير ولافروف، وبالتأكيد هناك اختلاف على مسألة مهمة وهي بقاء الأسد أو تنحيته عن المشهد، ولكن لا اختلاف أبداً على بناء جسد معارض سليم يمكنه التحدث باسم جميع من نسميهم معارضة معتدلة، وقتها سيكون قرارهم، وسيمكنهم التفاوض بما يحفظ وطنهم من الضياع أو التقسيم.
مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، سيحضره قادة ميدانيين يمثّلون 12 فصيلاً من الجيش الحر بحسب مصادر صحافية، وإسلاميين معتدلين، وبالتأكيد آراء مختلفة، وأولويات لا تتماثل، ودور السعودية هو القيام بالمحاولة الأخيرة لتفعيل دور السياسة في حل الأزمة السورية.
ربما اقترب انفراج الأزمة ولن تخرج السعودية يدها من الحل إلا بمكاسب مرضية للشعب الذي ضحى وتعب وهو يواجه العنف، وهذا ما يستوعبه الإيرانيون الآن بشكل كامل، وتدعمه الولايات المتحدة وكذلك تركيا وتتفهمه روسيا.. وأعتقد أن النظام نفسه يعلم بأن الوقت نفد، وأن بقاء الحال أصبح محالاً، وأصبح النظام بكل تأكيد عبئاً على من يربطون مصالحهم ببقاء رأسه «بشار الأسد» وهناك ملفات سياسية مرتبطة بسوريا بشكل أو بآخر يجري تسويتها وترتيب أوراقها، وهذا سيؤثّر إيجابياً لصالح الحل السياسي.
إذاً المطلوب الآن أن يبدأ المعارضون السوريون عملهم بجدية، وأن ينطلقوا من الرياض إلى تحقيق أهداف شعبهم بعقلانية واتزان وثقة، ولا وقت للخصومات والمحاصصات وتوزيع التركة قبل موت مورِّثهم!