أحمد محمد الطويان
جرح أسرة الكسسابة الأردنية، وجرح أسرة آل مرضمة السعودية، وكذلك أسرة الأربش السعودية، وأسرة الجندي أبو شوشة السعودية، وأسرة محمد الجعفر الكويتية، وأسرة إيلودي برويل الفرنسية وغيرهم الكثير من ضحايا داعش.. من أجناس وألوان مختلفة، داهمها الإجرام دون مبرر أو مسبب، دماء بريئة سفكتها داعش باسم الدين من خلال خطابها الإعلامي التحريضي المتطرف، وهي في الأساس عمليات سياسية استخبارية قذرة..
داعش اسم يجمع الأدوات العسكرية الاستخبارية لتقويض السلم والأمن العالمي، بأعمال عصاباتية تقوم بها خلايا سرية.. ولنفهم أكثر علينا التفتيش عن المستفيد.
الجدية في مواجهة الإرهاب لدى السعوديين تفوق كل دول العالم، وهي من دعت وحذَّرت ووقفت بحزم في وجه هذه التنظيمات، لأنها تعرف ما عجز عن استيعابه كثير من دول العالم، ومحاولة البعض فصل الإرهاب عن التداعيات السياسية، والتعامل معه على أنه مشكلة فكرية فقط أنتجت متطرفين مجرمين، الحقيقة أن التكفيريين مجرد أدوات لأعمال مسيسة هزت مشاعر الملايين حول العالم. ضحايا المسجد والشارع والمسرح هم ضحايا لعنف صنعته أياد عابثة تريد تعطيل الاعتدال لتسييد مبدأ التطرف، وكما هي دائماً العمليات الاستخبارية، تستخدم الأدوات التي لا تظهر المدبر الحقيقي للجريمة، تستخدم السعودي الشاب الذي أخوى عقله المحرضون، وتستخدم البلجيكي المسلم بذات الطريقة، وهنا نتأكد بأن منهج التكفير المرتبط بالجماعات المتأسلمة، يهدف في الأساس لتخدير العقول والتصرف بها وقيادتها، ومن يصدق بأن أرقى المجتمعات الأوروبية تنتج إرهابيين دمويين بأعداد كبيرة، هذا يؤكّد بأن الإرهاب لا علاقة له بتاتاً بالظروف الاجتماعية التي يدرج فيها الانسان، بل يرتبط بالمؤثّرات الفكرية التي تجعل عقله مستقبلاً جيداً للأفكار الدموية، وتجعله متحفزاً للقتل والتفجير، ولنفهم أكثر هذا المنهج علينا مراجعة منهج الجماعات المتأسلمة في مصر خصوصاً في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وأولئك الذين حولوا تسييس المشاعر الدينية الذي في بدأ نهاية العشرينات إلى عسكرة المشاعر الدينية، وإطلاق العنان للتنظير العشوائي باسم الدين للتكفير والجهاد والقتل.
في 11 سبتمبر 2001 ولسنوات بعدها كنا ندافع بكل قوة عن أنفسنا، ونحن صادقون في هذا الدفاع، والذهول كان يملأ عقولنا من هول ما حصل، ولكننا اليوم يجب أن نهاجم، ونترك موقع الدفاع، ويجب على العالم أن يتخلص من الهمز واللمز بأن الدين الإسلامي هو المتسبب في ظهور داعش، علينا أن نتحد جميعاً، ونعرف جيداً بأننا جميعاً مستهدفون، وبأن الاعتدال مهدد من هذه الجماعات وممن يقفون خلفها، الإرهاب معروف والحرب عليه ليست عملية معقدة، ولا يكفي أن تكون مجرد ردة فعل، علينا أن نؤسس فعلاً ضارباً ومُحكماً لنواجه الإرهاب الدولي، وأن نتيقن بأن الإسلام الصحيح لا علاقة له بما يجري، وأن نوقف استغلال الدين أي دين في العمل السياسي، وعلى أوروبا قبل غيرها أن تغيّر أسلوب تعاطيها مع التأسلم السياسي، وأن تدرك خطورة احتضان المتطرفين ومحرضيهم.
لنبحث في الإرهاب الاستخباري الإيراني، ولنبحث عن المستفيدين مما يجري، ولنلقِ نظرة على ممارسات بشار الأسد ونظامه، ولنطرح سؤالاً عن الدور المشبوه لهذه الجماعات التي تأسست لتقوم بدور سياسي يستخدم الإرث المشوّه للحركات الدينية السياسية، ولندرس علاقة نظام الأسد بهذه الجماعات وتكويناتها منذ الثمانينات، والرؤية الاستخبارية الإيرانية للتعامل مع الشأن السياسي في المنطقة وتجنيد التطرف الديني السني للدفاع بسرية عن التطرف السياسي الديني الإيراني.. علينا قراءة الواقع وتحليله قبل أن نحكم على الأحداث المتسارعة هنا وهناك.
استمعوا جيداً يا عالم للسعودية، وهي الدولة التي واجهت وتواجه دموية الإرهاب بكل بسالة، ولدى استخباراتها قوة معلوماتية هائلة في التعقب والتعامل مع هذه الظواهر الإجرامية، وحذَّرت مراراً مما جرى ويجري.. والمستقبل سيكشف أن الجدية السعودية في مواجهة الإرهاب لا مثيل لها، وأن الرأي الأصوب هو التقاء المصالح بين كل المعتدلين في هذا العالم لمحاصرة التطرف والمستفيدين منه، لنداوي الجرح العميق وحتى لا تفتح جروح جديدة.