د. فوزية البكر
لا أحد يفرح أكثر من أبنائنا الطلبة حين تنزل عليهم هدية إغلاق المدارس بسبب الأمطار رغم تأكيد وزيرنا الشاب معالي وزير التعليم د.عزام الدخيل حين اضطر لاتخاذ القرار بحث طلاب المدارس على الاستفادة من البدائل الإلكترونية المتاحة لهم.
وخلال الأسبوعين الماضيين عاشت مناطق كثيرة في المملكة بما فيها العاصمة أيامًا من الإغلاق التي أفقدت الطلاب جزءًا كبيرًا من تحصيلهم الدراسي، كما أدت إلى اضطراب الخطط والبرامج الدراسية في كل المراحل. نقول هذا ولا ننسي بالطبع أن المناطق الحدودية في جنوب المملكة قد شهدت بفعل حرب اليمن أيامًا طويلة من الإغلاق والتجاوز لأجزاء كبيرة من المناهج الدراسية بحكم واقع لا دخل للمؤسسة التعليمية به ولم يكن بالأماكن تجاوزه فاذا كان دور المدرسة هو التعليم والتربية فدورها بالطبع في تحقيق سلامة الطلاب هو أكبر وأهم.
إذن نحن أمام واقع إما أن تفرضه الطبيعة بأحكامها التي يتوقع لها أن تتكرر في مدن وقرى كثيرة في المملكة خلال الشهور القادمة أو تفرضه طبيعة ظروف مؤقتة مثل تلك التي تمر بها مدارس المناطق الجنوبية في المملكة وبالتالي: فالسؤال هو ما البدائل التعليمية المتاحة التي يمكن للمدارس والمؤسسات التربوية عامة أن تلجأ إليها؟
من جانبها قامت الوزارة وبالتعاون مع عدد من البلدان بإنتاج برامج متعددة ووضعتها على اليوتيوب ومن أمثلتها برنامج ظريف لطيف اسمته مبادرة نفهم الذي يقوم على فكرة إنتاج فيديوهات تعليمية لكثير من المواد الدراسية لمختلف المراحل في عدد من البلدان العربية بما فيها السعودية بحيث تقدم العروض المواد الدراسية المختلفة بأساليب تعليمية متنوعة ومشوقة تتناسب مع القدرات المختلفة للدارسين، كما أنها متاحة مجانًا على اليوتيوب بحيث يمكن للطالب أن يحملها ويشاهدها وقت ما يشاء وتحت أي ظرف وهو الأمر الذي أتوقع أنه كان البديل المناسب للكثير من مدارس المناطق الجنوبية خلال نهاية العام الماضي.
وعلى الرغم من أهمية هذه المبادرة وأساسيتها كأحد الخيارات التعليمية المتاحة إلا أنني أشك في أن أغلب الطلبة يقومون بأنفسهم بمتابعة تعلمهم عبر جهودهم الذاتية فقد يستخدمونها مرة أو مرتين لشرح شيء لم يفهموه لكن لا يمكن الاعتماد عليها كوسيلة مؤكدة للتعلم في ظل ظروف الحرب الاستثنائية أو في ظل عصر الأمطار الذي يبدو أنه مقبل علينا كما لم نعرف من قبل ومن ثم يبدو أنه من الضروري التوجه إلى خيارات أكثر تنظيمًا وفعالية مثل خيارات التدريس الإلكتروني.
ومن الطبيعي أننا نحتاج إلى بنية تحتية مجهزة أولاً قبل التفكير في هذا الأمر وهو الشيء الذي يتوفر في أغلب مناطق المملكة والحمدلله كما أن السعوديين: الصغار منهم والكبار لا يفتنون بشيء مثل فتنتهم بهواتفهم الذكية وهم يتفقدونها في كل دقيقة ولك أن تلاحظ كيف يحمل الصغار والكبار، رجالاً ونساءً، أغنياءً أو فقراءً هواتفهم في أيديهم طوال الوقت وهم بين واتس آب أو سناب شت أو انستغرام أو.. الخ من البرامج الذائعة الصيت، كما لو أن العالم سيتوقف إذا غاب هذا الجهاز أو نفدت بطاريته للحظات!
إذن هناك بنية تحتية في أيدي الجميع وما على الوزارة إلا أن تستثمر في ذلك بفرض برامج ما يسمى بـ (الفرتشوال ليرننيك) التي يمكن للطلاب الوصول إليها أينما كانوا موجودين وساء من خلال هواتفهم الذكية أو كمبيوتراتهم المحمولة، إِذ هي تعتمد على استخدام برامج شائعة مثل البلوجز والجوجل دوك والبلاك بوردز وغيرها من المنصات الافتراضية التي تستخدم بكثرة الآن وخصوصًا في الجامعات. لكن الآن نحن نتحدث عن التعليم العام أي الاثنتي عشرة سنة الأولى من التعليم وقبل دخول الجامعة وحيث في الغالب لا يتم الاستثمار في برامج التعلم الإلكترونية على اعتبار أن هذا التعليم يقوم أساسًا على الفصل والمعلم. الآن نحن أمام حقائق جديدة قد تفرضها الطبيعة أو أية ظروف استثنائية لا سمح لها ومن ثم علينا إعادة التفكير لضم خيارات التعلم الإلكترونية ضمن أجندات مدارس التعليم العام.
سيتطلب ذلك توفير اتصال قوي بالإنترنت وبريد الكتروني رسمي باسم كل مدرسة لكل معلم ولكل طالب كما في الجامعات كما يتحتم تدريب المعلمين على الاستمرار في تقديم حصصهم عبر وسائل التعليم الافتراضية فيما لو توقفت الدراسة لأي سبب وذلك بالتدرب على وضع الجداول وتقديم الحصص وأجراء الامتحانات والإجابة على تساؤلات الطلبة واستخدام الفيديوهات التعليمية للتعويض والتعود على استخدام واجبات وامتحانات غير تقليدية ولكنها فاعلة في التحقق من تعلم التلاميذ للمفاهيم الأساسية لكل مقرر دراسي مع ضرورة إشراك الوالدين في متابعة تعلم أبنائهم في مثل هذه الظروف بحيث يتمكنون هم أنفسهم من الاتصال الإلكتروني مع المدرسة ومساعدة أبنائهم على إنهاء واجباتهم المدرسية إضافة إلى أن ذلك سيزيد من وعي الوالدين بالخبرات والمهارات الإلكترونية التي يتعلمها أبناؤهم من خلال الفرتشول ليرننيك.
الكثير من المدارس العالمية في العديد من مدننا الدراسية تمكنت من استمرار الدراسة لطلابها رغم التوقف بسبب الأمطار لأنها وضعت ضمن بنيتها التحتية احتياجات التعلم الإلكتروني ويمكن لوزارتنا أن تستفيد من خبرتهم في هذا المجال وهي متاحة محليًا وعلينا فعلاً أن نتعلم من النماذج التعليمية المتقدمة بين ظهرانينا بدل الانكفاء على الذات والاستمرار في تقريعها.