أ. د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذا المقال وأنا أستمتع بأجواء ضبابية رائعة، منّ الله بها علينا منذ فجر هذا اليوم الثلاثاء وحتى لحظة تسطير هذا المقال، ومع أن رغبتي في الكتابة قوية وذهني متقد، فإنّ هذا التغير المناخي الذي تشهده بلادنا هذه الأيام أثار عندي أسئلة عدة:
* بعضها يتعلق بأثر التقدم العلمي الذي نتج عنه متابعة عامة الناس تحركات الرياح وتنبؤات المختصين بإمكانية هطول الأمطار بإذن الله الساعة... بل الدقيقة... وسيكون خفيفاً أو غزيراً، ونسبته احتماليته...؟، أثر هذا الأمر في سلوك الناس وحياتهم وتحركاتهم اليومية.
* والبعض الآخر ذو صلة بتركيبتنا الشخصية الغريبة التي تهوى المجازفة مهما كان الثمن، توقف الدراسة « لسوء البنية التحتية وليس لسوء الأحوال الجوية كما يبرر إعلامنا!!!»، حرصاً على سلامتنا وسلامة أبنائنا، وتأتي التحذيرات تترى من قبل الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ومع ذلك لا تجد هذه الإنذارات أذناً صاغية من قبل شريحة عريضة من أبناء الشعب الذي يجازف في حياته ويهوى ركوب الخطر، وكاميرات الجوال تنقل لنا هذه الأيام قصصاً ومآسيَ لأناس ذهبوا ضحية التهور بدخول الأودية والشعاب ومواجهة السيول الجارفة بلا وعي ولا دراية.
* وهناك نوع من الأسئلة يستشرف مستقبل أرضنا الطيبة لو منّ الله عليها باستمرار هذا الخير المدرار، وارتوت الأرض، وامتلأت السدود، وردت الآبار، وارتفع منسوب المياه الجوفية في المناطق الزراعية، هل سيكون هذا سبباً في إعادة النظر في القطاع الزراعي مرة أخرى من قبل صنّاع القرار في بلادنا الغالية؟.
* مع أن كل هذه التساؤلات مرت سريعاً في خاطري، فإن سؤالاً فلسفياً أخذ مني نفسي ساعة من الزمن رائعة.. ترى لو صارت هذه هي أجواؤنا طيلة العام ، هل سيتغير نمط تفكيرنا، هل سيتبدل سلوكنا، وتهدأ أعصابنا، وتستريح نفوسنا، وتضعف نزعة الانفعال والعنف عند من يتّسمون منا بهذا السلوك المشين؟.
فعلاً هل البيئة الجغرافية لها تأثير مباشر في طبيعة الشخص وأحكامه التي يصدرها وعلاقاته التي ينسجها، وطموحاته ومشاعره وتصرفاته؟
لم يكن هذا السؤال وليد اللحظة، بل سبق وأن قرأت حوله الكثير، وكنت جاهداً أن أجد الحجج المنطقية التي تنفي هذا التأثير، ولكن بصدق أعياني ذلك الأمر، بل كان مني العكس تماماً، إذ تأتي المشاهدات اليومية والخبرة والتجربة والمعايشة الحياتية والتفكر والتأمل الشخصي، ليدعم أثر البيئة الجغرافية في شخصية الإنسان ، فحين أعيش مثل جو هذا اليوم المميز، أرى الناس يتصرفون بهدوء وابتسامة ورضا وقرب من بعضهم البعض، سواء داخل بيوتهم أو في مقار عملهم وأماكن تجمعاتهم، بخلاف حالهم حين تكون الشمس حارقة والأجواء مغبرة والهواء شديداً والريح عاصفة.
أقول إن كل هذه المعطيات والتداعيات والقراءات المكتوبة والمرئية، جعلتني أغلّب أثر البيئة الجغرافية في شخصية الإنسان؛ فهي من بين أهم المكوّنات التي تطبع شخصيتنا.
هذه ليست النهاية في هذا الموضوع المتشعب والمؤثر، فهو كان ومازال وسيظل محل جدل ونقاش، والإنسان على نفسه بصير ، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.