د. فهد صالح عبدالله السلطان
في المقال السابق تم استعراض بعض الحقائق والأرقام التي تبين أداء الشركات العالمية في العام 2013، وتلك التي حققت السبق في مضمار التنافس العالمي.
اليوم سأستعرض مع القارئ الكريم بإيجاز تلك الخصائص التي ميزت الشركات الناجحة خلال السنوات الماضية ومكّنتها من مواجهة تحديات المرحلة ورياح الزمن وتحقيق نصيب الأسد من الأرباح.
الخاصية الأولى: التجديد والإبداع.. حيث تشير الدلائل الإحصائية إلى أن الشركات التي حققت نتائج متميزة في العام 2013 هي تلك الشركات التي اعتمدت وركزت في الدرجة الأولى على الإبداع والتطوير والتجديد
(idea-intensive) فقد حصد هذا النوع من الشركات 41% من الأرباح في الوقت الذي لم تتعد عوائدها 22% من مجمل العوائد.. وهو ما يؤكد ارتفاع نسبة الأرباح إلى الدخل.
ومن هنا فإن أحد البدائل المتاحة لشركاتنا هو التركيز على الأعمال الإبداعية والتجديد والاستثمار في البحث والتطوير والعمل بما يعرف في المحيط الأزرق، حيثما تقل المنافسة.
الخاصية الثانية: الحجم.. تشير الدراسات الإحصائية إلى أن حجم المنشأة يلعب دوراً رئيساً في تحقيق الأرباح حيث تبين أنه كلما كان حجم المنشأة كبيراً كلما ازدادت نسبة تحقيقها لأرباح عالية. في بعض القطاعات، حصدت 10% من الشركات العامة 80 % من الأرباح في العام 2013 على الرغم من أن بعضها لم يكن يعمل في المجال الفكري والإبداعي.
في أمريكا الشمالية حققت الشركات الكبيرة التي تزيد مبيعاتها على 10 بلايين دولار سنوياً قرابة 70% من الأرباح في العام 2013.. والملاحظ أن الشركات الأمريكية تتصدر شركات العالم في هذه الخاصية حيث يساوي حجم بعضها أو يزيد على حجم بعض دول بعينها.
أرباح وول مارت، على سبيل المثال، تساوي الناتج المحلي الإجمالي لبوتسوانيا.. ويزيد عدد عمالتها على سكان سلوفينيا.. الأرباح التي تحققها إكسون موبيل سنوياً تساوي الناتج المحلي الإجمالي لبوليفيا.. في النصف الأول من العام 2015 حققت أبل مبيعات بما مقداره 750 بليون دولار وهو ما يساوي حجم السوق المالية في روسيا.
الأمر الذي يعني أن خاصية الحجم ما زالت ذات أثر فاعل في تحقيق الأهداف وجودة الأداء وتخفيض التكاليف بسبب ما يعرف باقتصادية الحجم والقدرة على التطوير والتحديث والمنافسة... إلخ.
وبالتالي، فإن شركاتنا المحلية تنصح بالاتجاه نحو الاندماج والاستحواذ وتنويع سلة المنتجات... إلخ.
الخاصية الثالثة: الانتشار والحضور الدولي.. في ظل حدة المنافسة وزيادة العرض عن الطلب اتجهت الشركات العالمية وخصوصاً الأمريكية إلى الانتشار الدولي خارج أسواقها المحلية.. في العام 1990، لم يتعد ما حققته الشركات العالمية الكبرى من السوق الدولي 21% من إجمالي عوائدها، فيما بلغت نسبة ما حققته تلك الشركات من السوق العالمية في العام 2013 أكثر من 41% من مجموع عوائدها.. الأمر الذي يؤكد أهمية التواجد الدولي فهو أدعى إلى تنويع القاعدة السوقية التي تتضمن قوى شرائية متباينة وتنوعاً جغرافياً (سلة أسواق) تساعد على تقليل المخاطر الناشئة عن الاعتماد على أسواق محددة... إلخ.
الخاصية الرابعة: تقليل التكاليف.. تؤكد الدراسات المسحية أن الشركات العالمية الكبرى عملت بشكل جاد ومهني على تقليل تكاليف الإنتاج خلال العشرين سنة الماضية.. وأن أهم عنصر ساعد على تخفيض التكاليف هو توفر أيدٍ عاملة رخيصة ومدربة.. ومن المعروف أن حجم العمالة العالمية قد نما منذ العام 1980 بما يزيد على 1.2 بليون عامل معظمهم من الأسواق الناشئة، هذا بالإضافة إلى زيادة إنتاجية القوى العاملة ورأس المال.. فضلاً عن تطور التقنية وتراجع أسعارها وخروجها عن دائرة الاحتكار.. أعتقد أن أحد أهم البدائل المتاحة أمام شركاتنا المحلية هو العمل بشكل جاد على تخفيض تكاليف التشغيل من خلال عدة عوامل بما في ذلك إعادة الهيكلة وإعادة هندسة نظم العمل وتدريب العاملين وصياغة إستراتيجياتها بما يتناسب وظروف الفترة الحالية.
هذه بعض الأسباب التي ميزت الشركات العالمية الناجحة.. ما أعتقده هو أن حدة المنافسة في السوق المحلية والإقليمية والعالمية ستزداد يوماً بعد الآخر، وأن المستقبل الاقتصادي على مستوى العالم سيواجه كثيراً من التحديات الأمر الذي تنصح فيه شركاتنا بإعادة النظر في إستراتيجيتها وآلية تشغيلها.. لعل في قراءة إستراتيجيات بعض الشراكات الرائدة عالميا ومحاكاة المتميز منها ما يضيف قيمة لشركاتنا المحلية.