د. فهد صالح عبدالله السلطان
يكاد يتفق الاقتصاديون وخبراء الأعمال والمراقبون على أن المستقبل الاقتصادي سيكون من نصيب الأعمال الفكرية الإبداعية، وسيحصد المتميزون والمبادرون - مجتمعات وأفراداً - السبق في ماراثون الأعمال والاقتصاد.
لا شك أن المستقبل الاقتصادي على مستوى العالم سيحمل كثيراً من التحديات، خصوصاً في ظل المنافسة الحادة على الأسواق وعلى نيل ثقة المستهلكين والعملاء.. والتاريخ يؤكد أن القلة من الداخلين لميدان الأعمال هم من تمكّن من مواجهة رياح التحدي وصمد في ميدان الأعمال، وتمكّن من تحقيق أحلامه وأسس لأعمال تجارية مستدامة.
تشير الدلائل الإحصائية إلى أنه تنشأ في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الخمس الماضية ما معدله خمسمائة وخمسون ألف منشأة تجارية سنوياً يخرج من السوق منها أربعمائة وخمسون ألفاً في السنة الأولى.. الأمر الذي يُفسر حدة التحدي وصعوبة البقاء، فضلاً عن الفوز وتحقيق النجاحات النوعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو السر في بقاء هذه القلة والتي لا تتعدى نسبتها 20 % من مجموع المبادرين؟
في تقديري أن العامل الرئيس - بعد توفيق الله - يكمن في أن تلك الفئة التي تمكنت من الصمود والبقاء أعملت الجهد الفكري أكثر من البدني، أو كما يُقال لا تعمل بقوة اعمل بذكاء!!.. ما معنى ذلك؟ ظهر في الآونة الأخيرة ما يعرف في الإدارة والأعمال بالمحيط الأزرق والمحيط الأحمر، حيث يمثل الثاني ميدان العمل التقليدي الذي تشتد فيه حدة المنافسة بين أصحاب الأعمال بسبب محاكاة بعضهم البعض في نوع النشاط وآلية إدارته، وبالتالي تكون الفرص محدودة بين العاملين فيه.. بينما يمثل المحيط الأزرق (لاقتصاد الخلاّق) ميداناً جديداً فسيحاً للمبادرين ورواد الأعمال المبدعين في بيئة تقل فيها حدة المنافسة ويلعب الإبداع والابتكار والتجديد فيها الدور الأكبر، وبالتالي فهي مهيأة بصورة أكثر للنجاح والتقدم.
إذاً، يمكن القول إن أحد أسرار النجاح في ميدان الأعمال في هذا العصر يكمن في الإبداع وتبني أفكار ومشاريع إبداعية لا تقليدية، تؤكد ذلك الدلائل والمؤشرات الإحصائية عن نتائج الأعمال والتجارة؟.. يشير تقرير برنامج التنمية الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد الخلاّق تضاعف خلال عشر سنوات فقط بين عامي 2002 -2012م حتى بلغ 624 بليون دولار.
وتؤكد المسوحات الميدانية أن الاقتصاد الخلاّق (الأعمال الإبداعية) يمثّل 6.1 % من الاقتصاد العالمي رغم قصر عمره وأن الأعمال الإبداعية غير التقليدية هي التي حققت نجاحات نوعية وقفزات هائلة في ميدان الأعمال، وهي الأقل خروجاً من السوق من بين الأعمال الأخرى.
ومن هنا يمكن القول إنه إذا أراد الإنسان أن يحقق نجاحات لم يحققها الآخرون، فعليه بالتفكير بصورة تختلف عما يفكرون فيه.. عليه أن يفكر خارج الصندوق وينفذ في المحيط الأزرق، فهو أرحب وأوسع وأقل في عدد المنافسين. والفارق يكمن في أنه إذا عمل على تقليد ومحاكاة الآخرين في نوع النشاط وإدارته، فإنه سيُمثّل الرقم الأخير في قائمة آلاف الممارسين لذات النشاط، أما إذا سلك لنفسه مساراً جديداً، فإن ذلك يعني أنه يمثّل الرقم واحد في النشاط الذي اختاره، وهذا ما يصنع الفرق.. وعليه أن تختار.
بارك الله الجهود.. وسدد الخطى.