د. محمد عبدالله الخازم
أشرت في المقال السابق بالمبادرات المجتمعية المحلية بمنطقة الباحة وأشرت إلى أبرز عوامل النجاح ومنها تنوع الكفاءات والخبرات التي تحظى بها المنطقة سواء من المقيمين داخلها او خارجها، ومبادرتهم بتسخير بعض من فكرهم وخبراتهم وعلاقاتهم لتاسيس ودعم نجاح تلك المبادرات. وكذلك أشرت إلى دعم سمو أمير المنطقة، حيث الأفكار والحماس والمبادرات بحاجة إلى قيادة إدارية تؤازرها وتحفزها وتدعمها لدى صناع القرار والداعمين والمستفيدين على المستوى المجتمعي العريض.
بالتأكيد لن أنسى أهم حلقات النجاح؛ الداعمين من أصحاب الأيادي البيضاء من رجال الأعمال والموسرين ونشيد بالقليل منهم، مع ملاحظة على عدد ليس بقليل منهم بسبب تواريهم وبخلهم في هذا الشأن أو حضورهم فقط وقت الفلاشات الإعلامية. نشيد على سبيل المثال برائد البر والاعمال المجتمعية الوطني الشيخ علي المجدوعي، ونتمنى أن يقتدي به بقية رجال الأعمال والموسرين وأهل البر والعطاء...
أعلم أن دعم العمل المجتمعي والتطوعي من قبل رجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص الكبرى يعد إشكالية وطنية وليست إشكالية خاصة بمنطقة الباحة، و هذه المهمة الأصعب أمام سمو أمير المنطقة واصحاب المبادرات المجتمعية المحلية الحصول على الدعم المناسب لانطلاق مبادراتهم وتميزها. عليهم البحث عن المعادلة التي تستقطب الداعمين ليس مجرد متبرعين ماديين نستعطفهم للعمل الخيري، بل كشركاء و مساهمين بالعمل المجتمعي كل في مجاله. عليهم سؤال أرامكو وسابك والكهرباء والبنوك وغيرها من مؤسساتنا الكبرى ورجال الأعمال، أين دعمهم ومساهماتهم المجتمعية للمنطقة؟
إذا كانت الصعوبة الأولى تتمثل في الدعم المادي، فإن الصعوبة الثانية تكمن في الجانب الاجتماعي. نحن نشيد بأصحاب تلك المبادرات وبالمفكرين والمتخصصين والمهتمين الداعمين لها، لكن الحقيقة أنهم يمثلون نسبة قليلة من حجم الطاقات والخبرات التي تحظى بها المنطقة. هي طبيعة العمل الإجتماعي تبنيه من قبل فئة صغيره، لكن بعض المفكرين والأكاديميين والخبراء في مجالاتهم لا يكتفي بعدم الانضمام إلى مسيرة العمل المجتمعي، بل يتحول إلى منظر وناقد قاس ومحبط للقلة المجتهدين. ليس أسهل من الجلوس خلف لوحة المفاتيح أو الميكرفون والتنظير حول صورة طوباوية مفترضة، دون النزول لأرض الميدان وتحمل الآخرين وتقبل اجتهاداتهم والعمل معهم يداً بيد. نعم لدينا ضعف في البيئة التنظيمية المتعلقة بتقدير المساهمات المجتمعية سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد، لكنني أعول على المثقف والأكاديمي والمهني بأن يبادر من ذاته بتحسس مسؤوليته المجتمعية دون انتظار الدعوة او التكليف الرسمي أو المكافأة الرسمية أو المادية لكل عمل يقوم به...
الجامعة تعتبر المؤسسة الثقافية والبحثية والمجتمعية الأولى بأي منطقة، ويعول عليها الكثير في خدمة المجتمع ودعم مبادراته المختلفة. هذا ما نفترضه ونأمل فيه من جميع جامعاتنا، لكن الحقيقة المؤلمة أن بعض جامعاتنا ومنها جامعة الباحة لا زالت متوارية وخجلة في هذا الشأن. هي جامعة ناشئة، لكن ذلك ليس مبرر في عدم تكامل خططها وجهودها ومبادراتها مع ما يدور في محيطها ومجتمعها. جامعة الباحة تبدو كأنها ضيف شرف في كثير من مبادرات المنطقة، بدلاً من كونها مساهم ولاعب رئيس فيها. جامعة الباحة تعيش عزلة أو تعاليا أو تواريا - لا أدري ماذا أسميها- عن مبادرات المنطقة المجتمعية والثقافية، وكأن لاعلاقة لها بالعديد منها. الجامعة لا ينقصها الإمكانات بقدر ما ينقصها الرؤية والجرأة القيادية في تنمية أدوراها المجتمعية. البعض يرى - ولست أحبذ ذلك - بأن جامعة الباحة غرقت في الحساسيات المحلية والفردية والتصنيفية تجاه مبادرات الأخرين، فاختلت تبعاً لذلك رؤيتها المؤسسية المتعلقة بدورها في المجتمع...
أختم بتكرار التقدير لكل من يساهم في المبادرات المجتمعية المحلية التي تسهم في التنمية الوطنية ولا تتعارض معها. هناك صعوبات، وربما أخطاء، لكن همم الرجال والسيدات المخلصين قادرة على التعامل معها والسير وفق معطياتها نحو الأجمل والأفضل.