هدى بنت فهد المعجل
زياراتي المتكررة للقاهرة ما انفكت تحرضني على مغازلة مكتباتها كمكتبة مدبولي والشروق وأخواتها، والتحرش بشوارعها وأرصفتها حيث افتراش باعة الصحف والمجلات لها الافتراش الذي لم يستدرج المارة استدراجًا يبشر أن أمة اقرأ تقرأ!!.
القاهرة من اختلف علماء التاريخ في سبب التسمية ورجح قول من أشار إلى أنه عندما جاء «جوهر الصقلي» لبناء القاهرة كان هناك طائر يسمى (القاهر) فسُمِّيت القاهرة بهذا الاسم. القاهرة اختلاف وطائر وتراجع القراءة فيها، وفي الوطن العربي تراجع يقلق ويهدد بتبعية مخيفة. مخيف أن يكون معدل القراءة عند الإنسان العربي ست دقائق في السنة، مقابل ستة وثلاثين ساعة للإنسان الغربي، وبالتالي يصدر الناشرون العرب سنويًا كتابًا واحدًا لكل ربع مليون شخص في العالم العربي، مقابل كتاب لكل خمسة آلاف شخص في الغرب، أي مقابل كل كتابين يصدران في العالم العربي هناك مائة كتاب يصدر في الغرب، وبالنسبة للطفل العربي فإنه يكتب له أسبوعيًا كلمة واحدة وتقدم له صورة واحدة!!.
كنت في القاهرة الأسبوع المنصرم وكانت دهشتي المنكسرة أو المنحنية في كل زيارة، حيث لا قراءة ولا قراء والمقاهي عامرة بمرتاديها عمار لم تجد الصحيفة أو المجلة والكتاب حيز بين يدي الفرد هناك مما حرض (الدكتور محمد عبد الرؤوف) على عمل دراسة عنوانها «هل يقرأ المصريون» ويمكن تعديل العنوان بـ»هل يقرأ العرب»؟!. في القاهرة قلما يتأخر (المجلس الأعلى للثقافة) عن تنظيم المؤتمرات أو مؤتمر يناقش فيه مشكلة تراجع القراءة في الوطن العربي وفي مصر تحديدًا وبالتالي ينتهون إلى أن أسباب التراجع الانشغال بالأمور الحياتية، السعي وراء لقمة العيش، طغيان التكنولوجيا وخصوصًا التلفزيون والإنترنت، وبعضهم لم يستثنِ نظرية المؤامرة الغربية من خلال إنتاج الأفلام، والمسلسلات، وأدوات التسلية واللهو وغيرها وبثها في عالمنا العربي. ورأى البعض أنه لا يجب استثناء أي من الأسباب المذكورة بل وأضاف إليها أسبابًا أخرى كالعولمة. وتشترك لبنان ودول عربية أخرى مع مصر في دراسة تلك القضية، قضية تراجع القراءة، والخلوص إلى ذات النتائج. ففي لبنان «مهرجان التشجيع على القراءة» الذي تقيمه دور نشر عدة بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية. أيضًا أطلقت لبنان وثيقة «من أجل النهوض بالكتاب وتعميم ثقافة المطالعة». فهل أتت المهرجانات «تلك» أو المؤتمرات أكلها وبالتالي يتم تصحيح الوضع فلا يكتفي بطباعة ثلاثين كتابًا لكل مليون عربي مقابل أكثر من 600 كتاب لكل مليون أوروبي وفوق 200 كتابًا لكل مليون أمريكي!!.
نكاد نتفق أن ضعف الوعي بأهمية الثقافة سبب جوهري في انحسار القراءة، وإلا ما وجدنا الملايين تشارك في المهرجانان السياسية أو الفنية والتظاهرات الرياضية بينما قلة تهتم للمهرجانات أو المناسبات الثقافية. وربما في إعادة العلاقة مع الكتاب وبالتالي مع الثقافة؛ نستطيع رسم الطريق الوحيد لبناء الإنسان وترسيخ الهوية والانتماء. يحاول بعضنا تبرير ذلك التراجع بذكر إحصائيات تشير إلى انحسار مساحة القراءة في أوروبا وأمريكا منذ سبعينيات القرن الماضي. فالأرقام تشير إلى انخفاض نسبة قراءة الكتب في أمريكا من 50 في المائة في نهاية السبعينيات إلى 37 في المائة في أوائل التسعينيات وإلى هبوط نسبة قراءة الكتب بين الشباب من 60 في المائة في أوائل الثمانينيات إلى 42 في المائة في عام 2003. وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي لم يكن الحال أفضل، حيث انخفضت نسبة من يقرؤون أكثر من 20 كتابًا في العام في فرنسا من 21 في المائة في السبعينيات لتصل لـ14 في المائة في نهاية الثمانينيات ثم لـ9 في المائة في نهاية الألفية الثانية، ليصل الأمر في عام 2003 إلى إحجام 50 في المائة من الفرنسيين عن شراء الكتب!!. بيد أن هذا التبرير غير منطقي البتة وهو أشبه بالانهزامية كانهزامية من برروا التراجع بارتفاع أسعار كتب دور النشر الخاصة علمًا بأن ثمن الكتاب لا يتجاوز «تقريبًا» ثمن تذكرة السينما في معظم دور العرض التي تحقق الملايين (نستثني السعودية)!! إذا فالمشكلة أبعد من أن نخمن أسباب تراجعها بسبب أو سببين وقد نتفق ومن أرجع المشكلة إلى غياب الإحساس بأن القراءة تشبع احتياجًا حقيقيًا للقارئ نتيجة لإهمال الأسر غرس عادة الاطلاع في نفوس الصغار. فهل لو رجعت إلى القاهرة مجددًا سأجد كتبًا بعدد رواد مقاهيها ودور السينما فيها.