د.ثريا العريض
الهجمات الإرهابية داخل باريس الأسبوع الماضي، فاجأت العالم وقيادات مجموعة العشرين قبل اجتماعهم في افتتاح القمة في أنطاليا الأسبوع الماضي. حتى وقد اعتدنا تصرفات «داعش» في الجوار القريب تطل علينا بكل دمويتها في كل نشرة أخبار يومياً منذ تكون التنظيم السقيم في 2012، تنفيذ الاعتداءات هذه المرة جلب معه تحولاً جذرياً في قضية الشرق الأوسط والصراعات القائمة فيه، وتحولاً مصيرياً في موقف الدول الأوربية من معاناة اللاجئين القادمين بتدفق الملايين براً وبحراً عبر حدودها إلى مدنها البعيدة الواعدة بالأمان وفرص عيش جديدة.
لا أعتقد أن الهاربين من جحيم الصراع في سوريا والعراق سيثمّنون للإرهابيين ما فعلوه تحت تبرير الانتقام للسوريين من مشاركة فرنسا في الطلعات الجوية. هي ادعاءات لن تنطلي على أحد.
وبعدما كان السؤال اقتصادياً واجتماعياً بحتاً عن مدى قدرة أي دولة أوروبية على استيعاب من يصلها لاجئاً متوسلاً فرصة العيش، أمسى السؤال هل نحن كأوروبيين لو رحبنا باللاجئين في أمان من براثن الإرهاب وتسلل الدواعش الأوباش مستترين كلاجئين عبر حدود الدول الأوروبية المفتوحة على بعضها في الاتحاد الأوروبي؟.
من الصعب تقبل ما حدث من قتل وتدمير ونشر للرعب في مسيرة حياة مجتمعات اعتادت على طمأنينة العيش وسيادة النظام. سيما وقد تخير الإرهابيون بدقة مواقع مكتظة بالناس العاديين، ملعب كرة، ومسرحاً ومطاعم يؤمها الكثيرون للترفيه في نهاية الأسبوع. والله يعلم كم كان يمكن أن يحدث من الدمار والموت في مواقع أخرى لولا مسارعة الأمن إلى محاصرة المنفذين والمخططين وإيقاف ما خططوا له.
ويصبح الأمر أصعب على الفهم ناهيك بالتقبل، حين يتضح أن أولئك المجرمين الذين نفذوا الهجمات، هم من الذين نشأوا في تلك البلاد أو ولدوا فيها لآباء مهاجرين عبر البحر المتوسط من شمال أفريقيا. عندها تنقلب الحياة اليومية رأساً على عقب، حيث يجوز في هذه المستجدات توقع اللا معتاد واللا متوقع والشك بكل من حول المرء من الجيران ذوي السحنات الشرق أوسطية التي تغيرت النظرة إليها من التقبّل إلى الشك والخوف، فهي الآن مشكوك فيها.
وبغض النظر عن كل النظريات التي تحاول أن تتتبع تأريخاً حقيقياً لتنظيم « داعش» أو تبريرات وجوده، أو تفسيراً منطقياً لغرائبية أفعال من ينتمون إليه، أو تفسيراً علمياً لمسببات قوة جذبه للمنضمين من كل القارات الخمس، فإن وجود مثل هذا التنظيم سواء في الجوار القريب أو منفذاً لتعليمات القتل والتدمير بالتحكم عن بعد، ظاهرة تستحق العمل بجد والتحالف بين كل القوى والأفراد الأسوياء لمحاربته وإيقاف شره.
لا يهم إن كانت جذوره في انحرافات تفسير إيديولوجي قاد إلى أدلجة تحرف الفهم السوي للإسلام وتحلل القتل والتعذيب ونشر الدمار، أو كان نموه نتيجة تداعيات في أخطاء استراتيجية ارتكبها الأمريكيون بتفريغ المنطقة بدءاً بالعراق من نظام وسلطة الحكومة المحلية التي كانت تضبط الأمن، أو تدخل إيران في شؤون العراق وسوريا، أو حتى غضب السوريين على نظام الأسد وانحرافاته؛ يظل أمر تكون داعش وتصرفاته وأفكاره مرفوضاً من أي ذي فكر سوي.
هنا ليس هناك إلا استنتاج واحد: بقدر ما هو حق لدول أوروبا أن تغلق حدودها وتفرض القوانين التي تحمي مواطنيها، مهم ومصيري أيضاً أن تعمل كل الدول والمجتمعات معاً على إيقاف استشراء ظاهرة الإرهاب بالقضاء على جذوره؛ مهم أن تفرض قوانين حماية المواطنة من تأثير غضب الفئات المستهدفة . الذين يعانون في أوطانهم من غربة الإقصاء والتهميش والتكفير وعدم المساواة في فرص الحياة الكريمة، هم الذين يصبحون أكثر استعداداً للاستجابة لتفسيرات وتعليمات المتطرفين دينياً، وأشد ضعفاً في مقاومة نداءات التنظيمات الإرهابية المغوية للانضمام لعضويتها وتنفيذ خطط التدمير. لنوقف الإرهاب لابد أن ينتشر وعي تقبل التعايش الإنساني عالمياً.