يوسف المحيميد
ظللنا لسنوات نتغنى بأمجاد الجيران، وسرعة التقدم والتنمية لديهم، حتى ظننا أن النزاهة تهبط عندهم من السماء، إلى أن كشف المطر مدننا الهشة، وغرقت أكثر من عاصمة خليجية بكميات مطر عادية، فلم تكن الدوحة - على سبيل المثال - أحسن حالاً من الرياض، ولا مطار دبي أحسن حالاً من مطار جدة وشوارعها، مما يعني أن ثمة خللا كبيرا في تنفيد مشروعات تصريف الأمطار، إما لأننا بلا خبرة في هذا المجال كما دول أوروبا التي لا تكف السماء عن غسلها، أو أن بالفعل ثمة عدم أمانة وصدق وإخلاص في هذه المشروعات المهمة!
هل يعتقد هؤلاء أننا لسنا في أوروبا، لذلك فالمطر عندنا يأتي لماماً، وفي أيام قليلة من السنة، بالتالي لا بأس من غرق عابر، وفات على هؤلاء أن الشواهد أثبتت أن يوماً واحداً تنفجر فيه السماء، قد يقتل العشرات، وربما المئات من المواطنين، ويتلف البيوت والسيارات والأملاك وغيرها.
قديماً في نجد، حينما تنفتح السماء بالماء، يخشى الناس على أنفسهم من بيوتهم، بأن تتهدم فوق رؤوسهم، لذلك فالخروج أحياناً منها أكثر أماناً، على عكس الآن، فالخروج من المنزل أثناء المطر قد يعرض الإنسان إلى خطر أكبر، بأن يغرق في نفق تحول إلى فخ كبير، أو يجرفه السيل الهادر، هو وسيارته، حتى يهلك!
وقديماً أيضاً، لم يعرف الطلاب مصطلح «تعليق» إلا في تعليق أرجلهم للأعلى، وجلدهم بالخيزرانة، على خلاف الآن، من تعليق الدراسة مراراً، بمجرد أن تحذر مصلحة الأرصاد، ولكن المشكلة الآن هو أن وزارة التعليم تعلن عن تعليق الدراسة في إحدى المناطق، حرصاً منها على أرواح المواطنين، لكن هؤلاء المواطنين يستغلون إجازتهم تلك في الرحلات الخلوية والنزهات البرية، مما يعني تعرضهم للخطر بشكل أكبر، خصوصاً عند جلوسهم في بطون الأودية، والشعاب، وما شابهها.
أفكر أحياناً، ماذا لو خرج المسؤول بعد يوم ممطر، وتفقد الشوارع والأنفاق، ودوَّن أسماء وعناوين المواقع المنخفضة، التي من غير تصريف للأمطار، وجميع البقع المائية الضخمة، التي تغلق بسببها الطرقات، وتتعثر حركة المرور، وعولجت مباشرة بتأسيس شبكة تصريف سيول جيدة! ماذا لو تم عمل اختبارات دقيقة جداً، على جميع الأنفاق الجاهزة، بعد إنجازها، من قبل مهندسين مستقلين، هدفهم الأول والأخير مصلحة المواطن وسلامته!
أعتقد أننا سنصل إلى مدن متميزة، قائمة على شبكات تصريف سيول متقنة، لا تخذلنا عند أول رشة مطر، بل ستبقى سلسة وسالكة حتى مع كميات أمطار ضخمة!