يوسف المحيميد
مما يثير الدهشة، على الأقل اقتصادياً، أن يستمتع المجتمع الدولي وهو يراقب بصمت، ذبح العالم العربي من الوريد إلى الوريد، منذ أربع سنوات تقريباً، وحين لا يكتفي بالمراقبة الصامتة، فإنه يتدخل بشكل سلبي، وبما يشعل المزيد من الحرائق، رغم أن هذا العالم العربي يمتلك معظم طاقة العالم، بما يزيد على 56 بالمائة من الاحتياطي البترولي العالمي، ونحو 27 بالمائة من احتياطي الغاز في العالم!
هذا العالم العربي الذي حلم بالوحدة منذ أكثر من نصف قرن، لم يحقق سوى الشتات والتمزق، حتى بتنا نخشى على البلد العربي الواحد من التقسيم، وهو تقسيم يخطط له الغرب بناءً على أسس دينية ومذهبية وعرقية، من أجل المزيد من الإضعاف والإنهاك لدولنا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فما كنا نخرج من حرب خاسرة ومجانية، حتى ندخل في حرب أكثر مجانية وعبثاً، وذلك منذ ربع قرن تقريباً، حينما احتل صدام حسين بلداً جاراً، فأفسح المجال وفتح الباب على مصراعيه للتدخل في دولنا، وشؤوننا الداخلية!
لم ننجح عربياً في كثير من المجالات، خاصة المجال الاقتصادي، ربما لأنّ السياسة أفسدت علينا معظم فرص التكامل اقتصادياً، خاصة مع إثارة القلاقل والفوضى في المجتمعات العربية، وإشعال نار المذهبية والطائفية، وتأجيج المد الديني المتطرف، كي تسنح الفرصة لدول تبحث عن الكسب السياسي والاقتصادي من خيرات هذا الوطن الكبير، فتتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وتسكب المزيد من الزيت على نار القلاقل والصراع وانعدام الأمن!
كأنما مكتوبٌ على هذا العالم العربي الكبير ألا يعيش مستقلاً وآمناً، فينمو ويتطور كما في معظم أنحاء العالم، منذ الاستعمار القبيح لهذه الدول، وحتى استقلالها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ووقوعها تحت حكم العسكر لعقود، حتى تحولت إلى ديكتاتوريات تقهر شعوبها، فحدث تململ بين هذه الشعوب، بحثاً عن حرية وديمقراطية، والحلم بصناديق اقتراح وانتخابات حرة ونزيهة، وهو ما سمي بالربيع العربي، الذي تحول إلى خريف يقود بعض هذه الدول إلى المجهول!
كل ما يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، سواء على مستوى الطاقة، أو الصناعة، أو الزراعة، أو التجارة، وتوفر الأيدي العاملة المدربة، والرخيصة أيضاً، وتوفر الكفاءات والخبرات البشرية، كل هذه العوامل متوفرة في هذا العالم العربي الكبير، لكنه عانى على مدى عقود طويلة من قيادات سياسية مراهقة، وعبثية، ومستبدة، لا تؤمن بالبناء والنمو والمستقبل، فأصبحت تقود دولها وشعوبها من أزمة إلى أخرى، حتى وصل الحال إلى هذه الدرجة من الفوضى والعبث، والمزيد من القتل والدمار، فلم يَعُد العالم العربي الكبير، بل دويلات مشتتة وممزقة، تجمعها لغة واحدة، لا تملك هذه اللغة سوى أن تصفه بالعالم العربي الحزين!