موضي الزهراني
هل هناك نعمة أروع من نعمة المطر، بالمطر تعيش الأراضي القاحلة، بالمطر تخضر البراري، وترتوي الأودية والشعاب، بالمطر تعيش البهائم وترتوي، وبالمطر تنتعش النفوس البشرية وترتقي وتهدأ وتخضر خضرة تبعدها عن الأحقاد والسواد البشري الذي لا يقف!.. إنها نعمة لا تقدر بثمن تستحق منا الشكر والتقدير، ويكفي أن رسولنا الكريم خص المطر بأفضل أوقات الاستجابة فيها للدعاء مما يدل على عظمة نعمة المطر.. وقد يكون سبباً لرحمة الخالق بالعباد، وقد يكون عذاباً أيضاً عندما يتسبب في حوادث قاتلة.. ولقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) سورة الشورى.
أعظم دليل على أن المطر سبباً في نزول رحمته سبحانه وتعالى.. وجميعنا بلا شك نتمنى أن لا يحرمنا الله سبحانه من هذه النعمة طوال العام، وخاصة في بلادنا التي تتصف بمناخ صحراوي جاف في أغلب مناطقها، ولكن ما نشاهده من حوادث مؤسفة تعم أغلب المناطق سواء المتقدمة عمرانياً وخدمياً أو متوسطة الخدمات، حيث لا فارق بينهما لأمر يؤلمنا جميعاً ويشوه صورتنا كدولة عشرينية متقدمة لها علاقات حضارية وسياسية واقتصادية عظيمة، وفي المقابل نشاهد على أراضي مدنها الكبرى والرئيسية حوادث تسببت فيها أمطار لمدة يوم واحد فقط، أو لساعات بسيطة، وبالرغم من ذلك خلفت وراءها بيوتاً تهاوت أسقفها على ساكنيها بالرغم من حداثتها! وشوارع أُقفلت بسبب تجمع المياه كمستنقعات في حفر عميقة تسببت فيها حفريات الشركات التي لا تتوقف طوال العام بدون معالجة حقيقية لها! وسيولاً تجر معها مخلفات النفايات بين طرقات الأحياء الشعبية! وعمالة الشركات تستنفر طاقتها من ساعات الليل حتى اليوم الذي يليه لكي تستخدم طرقاً قديمة (لشفط) المياه الراكدة في الطرق الرئيسية الحديثة قبل انطلاق الناس لأعمالهم والطلاب لمدارسهم! وما نشاهده للأسف من مقاطعاً متبادلة في مواقع التواصل الاجتماعي من استغلال السيول التي داهمت بعض الأحياء خاصة في جدة، والرياض في التصوير والتهريج ونقل المشاهد بكل استخفاف وسخرية، لدليل على أن الخلل مازال قائماً ومستمراً من حيث عدم الاهتمام بالبنية التحتية لمواجهة واحتواء الحوادث الطارئة التي قد تحدث نتيجة هطول الأمطار، أو العواصف الرملية وما أكثرها أيضاً في فصل الصيف، وغيرها من التغيرات الجوية الطارئة التي تتسبب في حوادث مرورية مؤسفة، والسبب هو (عدم الجاهزية الواضحة للتعامل مع مواقف المطر المفاجئة) والاستفادة من هذا المخزون المائي الكبير في مشروعات مختلفة تفيد البلاد والعباد! وأيضاً مستوى الوعي الذي مازال متوسطاً لدى الكثير والذين لا يعطون لتحذيرات الدفاع المدني ورسائل الأرصاد الجوية أي اعتبار، بل لا يتابعون تلك التحذيرات من أجل حمايتهم وحماية أطفالهم وممتلكاتهم، بل من أجل المطالبة بالإجازات للتفرغ لبطولاتهم البرية التي قد تكون نهايتهم مؤسفة، وحينها يتهمون الجهات الرسمية بالفشل وعدم الحرص على سلامتهم! لقد مطرنا بفضل الله ورحمته، ولكن أين الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في معالجة تلك الحوادث ورفع نسبة الوعي للمواطنين حتى لو بستخدام العقوبات الصارمة!.