فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من تمسُّك قادة دول العشرين بهدف زيادة النمو 2 في المائة بحلول 2018، والتشديد على اتخاذ آليات ضامنة لتحقيقه، إلا أن المبعوث الصيني الخاص لشؤون مجموعة العشرين «وانغ شياو» يعتقد أن «الاتجاهات الاقتصادية وسياسات الاقتصادات الرئيسة تسير في وجهات مختلفة؛ ما يستدعي ضرورة التنسيق بخصوص سياسات الاقتصاد الكلي». يبدو أن التعامل المستقل في السياسات المالية والنقدية، وبما يؤثر سلباً على تحقيق نمو متوازن بين مجموعة العشرين، بات مقلقاً للصين وبعض الدول الأخرى التي ترى في تراجع التجارة الدولية وتذبذب أسعار السلع الأولية وتقلبات الأسواق خطراً يهدد الجميع؛ ما يستوجب تنسيقاً أكبر للسياسات المالية والنقدية. غير أن تباين الظروف الاقتصادية بين دول المجموعة قد يحتم على بعضها اتخاذ قرارات غير منسجمة مع احتياجات الاقتصاد الكلي. ومن هنا تأتي أهمية التنسيق لتضييق فجوة الخلاف وفق مباحثات مستمرة ومعايير ضامنة لتحقيق النمو الشامل.
قد يُِخفي الاتفاق المعلن في مسألة النمو خلافاً بين الاقتصاديات الكبرى التي تتعارض فيها المصالح، وتختلف فيها الاحتياجات، وهذا أمر متوقع؛ فالأهداف يصعب تحقيقها ما لم تكن هناك إرادة قوية، وتنسيق شامل، وتنازلات بين الأطراف المعنية. لذا أعتقد أن تباين السياسات النقدية بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وأوروبا من جهة أخرى، قد يخلق بعض الإشكالات مستقبلاً. اتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار فائدة الدولار يتعارض بشكل مباشر مع احتياجات بقية دول العالم التي تجتهد لتحفيز النمو. التزام القمة بتنفيذ استراتيجيات النمو فرض على دولها وضع أولويات مرتبطة بالملفات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً، منها دعم الطلب والإصلاحات الهيكلية، زيادة الاستثمارات، القضاء على البطالة، تحفيز دور الشباب والنساء للحصول على وظائف أكبر، ومعالجة معوقات النمو، وفي مقدمها أسعار الفائدة، والإجراءات الحمائية.
يبدو أن ملف «التهرب الضريبي» لا يخلو من ثغرات قانونية؛ قد تسهم في استفادة الشركات منها. موافقة الزعماء على إجراءات مواجهة التهرب الضريبي لن تمنع الشركات متعددة الجنسيات من إيجاد ملاجئ آمنة للتهرب من دفع الضرائب لحكوماتها، كاللجوء إلى دول أكثر تساهلاً في قبول التدفقات المالية الاستثمارية، أو التي تقدم معاملات ضريبية تفضيلية للتحويلات الاستثمارية.
قد يكون ملف «مكافحة الإرهاب» من الملفات التي استأثرت بالإجماع الكلي، والقرارات المباشرة، خاصة ما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، وهو المحور الأهم للقضاء على الجماعات الإرهابية، الذي تسبب تهاون الغرب فيه في تنامي التدفقات القذرة للجماعات الإرهابية، وارتفاع معدلات غسل الأموال المنظمة التي يعتقد أن بعضها تم وفق تفاهم مع جهات استخباراتية، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة لتحقيق أهداف استراتيجية محددة.
ربط البيان الختامي بين الإرهاب وتقويض النمو، حين ذكر أن «الأعمال الإرهابية تقوض التدابير الرامية إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتهدد الجهود الجارية لتعزيز الاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية المستدامة»، وهو ما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وجهها لقادة دول العشرين عشية افتتاح القمة. توسيع نطاق الملاحقة المالية للإرهابيين وتعزيز الأمن الجوي، اللذان جاءا في البيان الختامي، يستوجبان إجراءات سريعة ودقيقة ومنضبطة. تكليف مجموعة العمل المالية FATF برفع تقرير مع بداية العام 2016 أمر جيد - ولا شك - إلا أن التدخل السريع لوقف التدفقات القذرة يمكن تحقيقه بسهولة متى كانت الإرادة حاضرة لدى الدول المسيطرة على شبكات التقاص الدولية ذات القدرات الاستخباراتية المتقدمة.
نجحت قمة «أنطاليا» بالرغم من عمليات باريس الإرهابية التي اعتقد الكثير أنها ستؤثر سلباً عليها، بل أزعم أنها استفادت منها لحسم ملفي الإرهاب واللاجئين، وباتفاق شامل، وتعهد غير مسبوق، وإجراءات ربما عجَّلت في القضاء على «داعش» وجماعات الإرهاب الأخرى، وأوقفت تمويل الإرهاب الدولي.
أختم بالإشارة إلى مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الفاعلة في القمة، بدءاً من كلمته الشاملة التي تحولت إلى قرارات في بيان القمة الختامي، مروراً بلقاءاته المحورية مع قادة دول العشرين ومباحثاته المهمة لكثير من الملفات السياسية، الأمنية والاقتصادية، وانتهاء بالاحتفائية والتقدير اللذين حظي بهما من الدولة المضيفة، ورئيسها ورؤساء دول المجموعة، وهي احتفائية تَحَصَّلَ عليها بجدارة واستحقاق.