فضل بن سعد البوعينين
ربط خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها في جلسة عشاء الوفود المشاركة في قمة «أنطاليا» بين مكافحة الإرهاب، وتحقيق هدف النمو الاقتصادي، وشدد على ضرورة مضاعفة المجتمع الدولي الجهود لاجتثاثِ آفة الإرهاب «التي تهدد السلم والأمن العالميين وتعيق الجهود في تعزيزِ النموِ الاقتصادي العالمي واستدامته»، وطالب في الوقت عينه بمحاربته ومحاربة تمويله وتحقيق التعاونِ الدوليِ للقضاء عليه.
الاستقرار السياسي و الأمني من دعائم الاقتصاد الرئيسة، ومن متطلبات الحياة، و مقومات التطور والبناء والنمو. من خلاله يمكن حماية المكتسبات التنموية، وتحقيق النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وبناء الإنسان وعمارة المكان. كم من دول فقيرة نجحت في تنمية مواردها الطبيعية لأسباب أمنية صرفة، وكم من دول غنية فقدت مكتسباتها الاقتصادية لانفلات الأمن فيها.
كانت المملكة، وما زالت، في مقدم الدول التي تستشعر خطر الإرهاب، وانعكاساته المدمرة على الاقتصادات المحلية، والاقتصاد العالمي بشكل عام، ما جعلها تتخذ قرارات حاسمة لمواجهته عسكرياً وتمويلياً. اقترحت المملكة عام 2005 إنشاء المركزِ الدولي لمُكافحةِ الإرهابِ تحتَ مِظلةِ الأممِ المتحدةِ للمساهمة في مواجهة الإرهاب ومحاربته دولياً، والتوعية بمخاطره، وطرح الرؤى والأفكار التي تضمن تجفيف منابع تمويله، وتبرعت له بمائة وعشرة ملايين دولار.
تجاهل الغرب جهود المملكة الحثيثة في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، وغض الطرف عن عمليات تمويل الإرهاب وغسل الأموال وتجارة المخدرات التي يعتقد أنها من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، أسهم بتقويض الأمن والاستقرار وتمدد جماعات الإرهاب وظهور تنظيم «داعش» الذي نجح في إزالة الحدود والسيطرة على أراضٍ شاسعة من سوريا والعراق، وإقامة (دولته) المزعومة، والتحرك بمواكب مركباته المجهزة بالأسلحة الحديثة، تحت أنظار المجتمع الدولي.
لم تكن الجهود الغربية كافية لاجتثاث تنظيم داعش، أو وقف تقدمه، ولم يسهم مجلس الأمن في دعم الجهود الرامية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
يبدو أن رؤية الغرب القاصرة تجاه الجماعات الإرهابية، وقدراتها التخريبية، أسهمت في إضعاف جهود مكافحته.
لم يحظ ملف تمويل الإرهاب في المنطقة، بجدية حاسمة من دول الغرب التي تعاملت معه بانتقائية تسمح بمرور الأموال القذرة لتنظيم «داعش» والجماعات الأخرى، طالما أنها لا تهدد أمنها واستقرارها، وهذا ما يبرر الملاءة المالية لتنظيم داعش، ونوعية الأسلحة التي يمتلكها، إضافة إلى قدرته الفائقة في توفير المركبات حديثة الصنع بأعداد مهولة لا يمكن توفيرها إلا من خلال الاعتمادات المستندية المرتبطة بالمصارف، ووثائق الشحن، والموانئ الرسمية.
عوداً على بدء، فضمان النمو الاقتصادي العالمي، وتعزيز الثقة فيه ومعالجة مشكلة اللاجئين لا يمكن تحقيقها بمعزل عن مكافحة الإرهاب بشقيه، العسكري والتمويلي، إضافة إلى حشد الجهود لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، ومواجهة الإرهاب، وهو ما شدد عليه الملك سلمان في كلمته حين قال: «إننا أمامَ فرصةٍ مواتيةٍ للتعاونِ وحشدِ المبادراتِ للتوصلِ إلى حلولٍ عالميةٍ حقيقيةٍ للتحدياتِ المُلحةِ التي تواجهنا سواءً في مكافحةِ الإرهابِ أو مشكلةِ اللاجئينَ أو في تعزيزِ الثقةِ في الاقتصادِ العالمي ونُموهِ واستدامتهِ».