سمر المقرن
لا يكاد يمر يوم واحد، لا نسمع أو نقرأ فيه عن قضايا الابتزاز، وإن كنت في تصوري الذهني قد لا أصدق وجود مثل هذه القضايا في عصر كل شيء فيه متاح أمام الشاب، فلماذا يلجأ إلى الابتزاز؟ أتوقع أن الشاب الذي يقوم بهذه الجريمة هو في داخله يعيش حالة ناقمة على الأنثى وترتفع لديه وتيرة الانتصار كلّما زاد في إذلالها، فالشاب -أي شاب- لديه القدرة على أن يتعرف على فتاة وتكوّن معه علاقة برضاها، لكنه يشعر بالنشوة مع فتاة رفضته وهذا في اعتقادي مرض نفسي. من المهم ومع كثرة هذه القضايا أن لا تتوقف عند معالجة القضية، بل يجب أن يتدخل الطب النفسي لمعالجة جذور المرض في الشاب، ومعالجة الآثار النفسية التي تصيب الفتاة بعد تعرضها للابتزاز.
ولو نظرنا إلى كل المجتمعات المحيطة قد لا نجد فيها مثل هذه القضايا -إلا ما ندر- بينما تكثر وتتزايد بشكل مخيف في مجتمعنا، وهنا علينا أن نطرح كثيرًا من الأسئلة بحثًا عن الخلل المجتمعي الذي أدى إلى ظهور مثل هذه السلوكيات السلبية، فإغلاق الجرح على ما فيه من علل ليس علاجًا إنما تغطية مؤقتة سينتج عنها علّة أكبر، وهذا ما يحدث مع مثل هذه القضايا، فالمعالجة تحدث ويتم حل القضية دون البحث عن خلفياتها الفكرية والاجتماعية والنفسية، والوصول إلى أصل الفكرة التي أنتجت المشكلة، وإشراك كافة الأطراف الأسرية والتربوية في حلّها.
أيضًا الفتاة، وهي شريكة في الجريمة بسبب ثقتها السريعة بالشاب، فبمجرّد أن تسمع منه عذب الكلام، ووعود هوائية، بالإضافة إلى الكثير من الكذب حول اسمه ووضعه الاجتماعي، فنجدها تنساق فورًا وبثقة في منحه صورها وملفات حياتها التي تكون مستندًا يبتزها من خلاله، والفتاة التي تصل إلى هذه المرحلة من الانجراف هي بلا شك لديها عدم توازن نفسي وافتقاد للهوية العاطفية التي تُشبعها داخل البيت حتى لا تصل إلى هذا المنزلق، أضف إلى هذا، انجراف الفتيات حول رفيقات يتباهين بمثل هذه العلاقات وتشعر أنه من الضروري أن تكون ضمن هذه الجماعة فيكون لديها رفيق مثلهن، لذا تنظر الفتيات إلى مثل هذه العلاقات السيئة من باب التباهي.
حقيقة أقولها، نحن نعيش في أزمة ثقة، كثرة الأمراض المجتمعية جعلتنا نتعامل مع الآخرين كمرضى، وكنت قبل أيام أتحدث مع مجموعة من الصديقات عن الثقة بالناس، وكيف أننا تربينا على أن لا نثق بأحد، مع ذلك نصفي النيّة ونثق ثم نلاقي في طريقنا من يستحق الثقة ومن لا يستحقها. هذا بشكل عام، أما بشكل خاص فإنه ورغم تحذير الفتيات من عدم الثقة بسهولة في الآخرين، إلا أن مثل هذه القضايا تحدث وبكثرة بسبب الثقة، من هنا أظن أننا حتى في مسألة «الثقة» لم نتوازن بسبب الاضطرابات الفكرية العاثية في مجتمعنا، وهذا ما أفقدنا الدليل الصحيح مع الناس!