جاسر عبدالعزيز الجاسر
لم تكن المرة الأولى التي يستعمل فيها مصطلح «جيش الدولة الإسلامية» عند الحديث عن العمليات الإرهابية التي ضربت العاصمة باريس نهاية الأسبوع الماضي، فتمرير المصطلحات وخاصة من الدول الغربية ووكالات الأنباء المرتبطة بها والمحطات التلفازية عمل مبرمج لصنع كيان «دولي موازٍ» يعطيهم شرعية محاربته، بغض النظر عن الشكوك بدور تلك الدول في إنشاء «داعش» التنظيم الإرهابي الذي يريدون أن يكرسوه كدولة، والذي ينفذ عمليات إرهابية ويشن حروباً لا تقدر عليها سوى الدول ذات الجيوش الكبيرة، والتي تمتلك أجهزة استخبارية وفرقاً متخصصة لتنفيذ عمليات إرهابية كالتي شهدتها باريس، فالعمليات السبع التي نفذت وفي أوقات متقاربة وبتنفيذ متقن لا يمكن أن يقوم بها تنظيم إرهابي مهما وصل إلى درجة التحشيد وتوسعت دائرة أنصاره، ما لم يكن مسنوداً أو متعاوناً مع أحد أجهزة المخابرات لدول معروفة بقدرتها على تنفيذ مثل هذه الأعمال، هذا إذا لم يكن تلبس اسم التنظيم ونسب العمليات برمتها إلى تنظيم داعش، والأدهى من ذلك يطلق عليه مسمى (جيش الدولة الإسلامية).
دور تنظيم داعش الإرهابي وعلاقة مخابرات دول بعينها فيما حصل في باريس لفرض أولويات محددة فيما يجري في المنطقة العربية، من خلال فرض مواجهة الإرهاب، قبل ترتيب أوضاع سوريا الداخلية وتغيير النظام الحاكم في سوريا من خلال التخلص من دكتاتور سوريا بشار الأسد.
بحيث توجه الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب لمواجهة جيش ما يسمونه بـ»الدولة الإسلامية» وترك نظام بشار الأسد يحصد أرواح السوريين.
ولكي يصبح التجييش وتوسيع دائرة المواجهة ضد الإرهاب الذي صنع من قبلهم وتحويله إلى وحش كبير من خلال تداول مصطلحات وأسماء تتيح لهذه الدول أن تكوِّن تحالفاً دولياً من عدة وحدات عسكرية متنوعة، لابد من أن يكون الذي تواجهه قوة منظمة، وهكذا بدأ تداول مصطلح مسمى «الدولة الإسلامية» وحذفت الإضافات الأخرى حيث كان المسمى السابق «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وهذه الدولة التي أصبحت لها فروع وولايات متعددة امتدت إلى سيناء وليبيا واليمن ومالي ونيجريا، لابد أن يكون لها جيش، وإن كان حتى الآن يعتمد على مجموعة الإرهابيين، وفرق قتل تحت مسميات منها «الذئاب المتوحشة» وغيرها من الأسماء التي لن تمر أيام حتى تدمج جميعها على الأقل من خلال التداول في وسائل الإعلام ليكون الحديث مكثفاً عن جيش الدولة الإسلامية ليكون بديلاً عن استعمال مصطلح تنظيم داعش الإرهابي، ويفرض هذا المسمى ليكون متداولاً في نشرات الأخبار بعد أن تعتمده وكالات الأنباء الرئيسية وهي رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية والاشيودبريس، وجميعها وكالات أبناء غربية وهي التي تسيطر على الفضاء الإعلامي، ويبدأ المتلقون بما فيهم العرب والمسلمون يتداولون مسمى الدولة الإسلامية وجيش الدولة الإسلامية، مما يتيح لواضعي استراتيجية مواجهة الإرهاب القول لشعوبهم وللشعوب الأخرى من أنهم يواجهون جيش الدولة الإسلامية، وهو ما يستدعي صياغة تحالف دولي للقضاء على هذا التهديد.