عمر إبراهيم الرشيد
لو تساءلتم: لماذا عجزت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن إخضاع الأرض الفلسطينية وشعبها المناضل رغم مرور حوالي سبع وستين سنة (منذ 1948) فإن الجواب سيلتمع كالبرق في أذهانكم. لن أنسى مشهدًا عرض في إحدى القنوات قبل سنوات عديدة لفتى فلسطيني يمسك به جندي الاحتلال محاولاً سحبه بعنف،
فما كان من الفتى إلا أن أشهر سكينًا في وجه الجندي الذي انتفض مفلتًا الفتى ومتراجعًا خطوات إلى الخلف، في صدمة أو مفاجأة أو رعب سمها ما شئت، وهو المدجج بكافة أنواع السلاح. ألم تؤد الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجارة) في الثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم إلى دخول كلمة (انتفاضة) إلى قاموس اللغة الإنجليزية بلفظها العربي دون تغيير، وذلك لتفردها واختلافها عن باقي الثورات، فهي انتفاضة بسلاح أبيض ومن شعب محتل مقابل قوات احتلال غاشم مدججة بكافة الأسلحة المتطورة، وعلى الرغم من ذلك أبهرت تلك الانتفاضة العالم وأظهرت الوجه الحقيقي لـ(إسرائيل) وكسب الشعب الفلسطيني تفهم العالم وصحوته على حقيقة الأمر وتعاطفه معه، إلا أن الغزو العراقي للكويت وما تبعه من أحداث مؤسفة عصفت بالعالم العربي وما زالت إلى اليوم، أدت إلى تراجع ذلك التعاطف والدعم المعنوي، عدا عمّا تبع ذلك من قيام السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والصفة الغربية في التسعينات التي لم تتمكن حتى الآن من تثبيت سلطتها ونيل الاستقلال الفعلي.
هذا على الصعيد السياسي، إنما على الصعيد الشعبي هل توقفت الانتفاضة أو خمدت، قد تهدأ أو حتى تتوقف قليلاً لكنها تعاود فورانها من جديد وهذا حال هذا الشعب الصامد منذ الاحتلال البريطاني عام 1917 الذي سمي (الانتداب) محاولة للتحسين أو تلطيف الصورة، وقيام الإنجليز بتسليم فلسطين لليهود الذين نكلوا بهم بغية إخراجهم والاستفراد بالأرض الفلسطينية.
انتفاضة المدى (بضم الميم جمع مدية وهي السكين)، ومرة أخرى يأتي السلاح الأبيض كعنوان واسم لانتفاضة جديدة من شعب هو على يقين بحقه ورافض للخنوع والاستسلام لذا تجده يقاتل بما لديه، وقوة الحق هذه هي التي أعجزت (إسرائيل) عن الاستقرار والعيش بأمان منذ إعلان تأسيسها وحتى هذه اللحظة. ومرة أخرى، ها هي حكومة الاحتلال تواجه ازدراء دوليًا متعاظمًا إن لم يكن على مستوى الحكومات العالمية كلها فعلى مستوى الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان (على نفاقها أحيانًا). المدى والسكاكين والحجارة كذلك في هذه الانتفاضة فعلت ما عجزت صواريخ كانت تطلق سابقًا عن فعله، وهو فضح الاحتلال وممارساته وعنصريته أمام العالم وإعلامه الذي بات في أجهزة الهواتف الذكية، عدا عن وسائل الإعلام التقليدية المنصفة. إضافة إلى أن هذا السلاح الأبيض من سكاكين وحجارة إن لم تقتل فإنها ترعب حتمًا، فالإصابات والطعن والعاهات التي يحدثها ذلك السلاح البسيط تحدث آثارًا نفسية ومعنوية قد يجهلها الكثيرون. ألم تتزايد حالات الانسحاب ورفض الخدمة العسكرية لدى جنود الاحتلال خلال السنوات الماضية، سواء في القطاع البري أو الجوي. ودون شك أن الاحتلال الإسرائيلي وجدها فرصًا سانحة ليعربد في الأرض المحتلة لانشغال العرب بأزماتهم، مسنودًا باللوبي الصهيوني في أمريكا وغيرها من دول غربية عدة. إنما قوة الحق فوق حق القوة مهما طال الزمن وسيعود الحق إلى أصحابه بإذن الله تعالى، وفي التاريخ حوادث وعبر لمن اعتبر، ولله الأمر من قبل ومن بعد.