عمر إبراهيم الرشيد
لا تقتصر آثار الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على النواحي السياسية والأمنية والاجتماعية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1982م، بل تتعداها إلى ما هو أعظم وأوسع على المدى البعيد إن لم يكن القريب والمتوسط، منه فضح النفسية الملتوية والمريضة لشذاذ الآفاق وعصابات الاحتلال الصهيوني.
.. ليس أولها ولن تكون الأخيرة تصريح (نتن ياهو) الأخير بأن (محرقة) اليهود النازية إنما هي بإيعاز من الشيخ أمين الحسيني عند لقائه بالزعيم النازي أدولف هتلر. وعند تأمل هذا التصريح الأخرق وقراءة خلفياته فلن تجهدك الحيلة، إذ إن عقلية الخوف ونفسية الشعور بالنقص عبر التاريخ تقف خلف هكذا تصريح، وغيره من قانون معاداة السامية الذي بثوه في اللاوعي الغربي حتى أصبح جزءاً من النظام القضائي الغربي، وغير ذلك مما يدل على أساليبهم الملتوية ودسائسهم. وإلا ما معنى مثل هذا التصريح والقوة ترجح لصالح حكومة الاحتلال من عتاد وجنود وأسلحة ونظم دفاع تبيعها حكومة الاحتلال لدول عديدة، أمام شعب أعزل ليس له من القوة إلا قوة الحق والإيمان بأنه صاحب الأرض وهذا ما يجعل (إسرائيل) تشعر بأنها لن تبقى إلى الأبد وليس لها حق في أرض اغتصبتها بمساعدة إنجليزية معروفة.
مثل هكذا تصاريح وتصرفات من حكومة الاحتلال ليس لها إلا تفسير واحد هو العجز وإن بدا للعالم العكس، وكما قلت في مقالي السابق أو تساءلت، لماذا عجزت (إسرائيل) حتى اللحظة عن العيش بشكل طبيعي كبقية الدول والشعوب وبسلام مع محيطها رغم قيام حكومة الاحتلال منذ عام 1948 ولن يحير الجواب عاقل. يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون إن اليهود كمثل مجموعة من الناس وضعوا أمتعتهم ونصبوا خيامهم أو بيوتهم في قارعة الطريق، فكيف سيكون وضعهم ووضع البشر الذين يمرون بهم..؟.
وهنا تقتضي الموضوعية أن نتذكر أن هناك عقلاء من اليهود الذين يرفضون الصهيونية والاحتلال وجعل الشعب الفلسطيني يدفع ثمن (المحرقة) وما لاقاه اليهود من النازية، وهم يتوزعون على بلدان العالم، لأن نتيجة الظلم والعدوان محسومة في كل الشرائع منذ فجر التاريخ، بل الفطرة الإنسانية السليمة والتي هي مقصد تلك الشرائع وعمادها تقر ذلك وتؤمن به.
رفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأمم المتحدة مؤخراً أمر إيجابي ومؤثر على رمزيته، وأن تأخر كثيراً إلا أنه مطلب مثل كثير من الإجراءات الدبلوماسية والثقافية التي تدعم قضية العرب الأولى، كانضمام فلسطين إلى المنظمات والهيئات الحقوقية والثقافية الدولية، مما يدعم كفاح هذا الشعب الصامد أمام دول العالم وشعوبه.
الطريف في تصريح (نتن ياهو) إنه حتى ألمانيا صرحت بأن النازية وزعيمها هي المسؤولة عن (محرقة اليهود) وليس للشيخ أمين الحسيني والعرب علاقة بها.. يأتي هذا التصريح بعد عقود استفادت خلالها (إسرائيل) من الأموال الطائلة والدعم السياسي والعسكري من ألمانيا وأوروبا وأمريكا (تعويضاً وشعوراً بالذنب)، فقد وظفت هذه (المحرقة) أبشع توظيف، ابتزت بها الأموال الطائلة والدعم والتعاطف الغربي من جهة، ومن جهة أخرى صبت أحقادها المريضة وإرهابها وانتقامها على الشعب العربي في فلسطين، لكنها صدمت وما تزال ولن تقدر على قهر شعب الجبارين والله غالب على أمره.