محمد آل الشيخ
وها هو الغزو الإرهابي المتأسلم يضرب معقل النور والحضارة في العالم، (باريس)، بعد قرابة الأربعة عشر عاماً من غزوة (مانهاتن) في أمريكا، الأمر الذي يؤكد ما كنا نقوله ونردده؛ ومؤداه أن المعالجات الأمنية وحدها، ورغم أهميتها، لا تكفي، دون أن نخترق هذه الثقافة العنفية المتعفنة المتأسلمة، ونتتبع مروجيها، ومنظريها، ومنصاتها الثقافية والإعلامية، ونحاصرهم بطوق من حديد، وبالقانون الصارم الذي يكرهون مفاهيمه ويحاربونه منذ البداية، فهم من يشعلون النار في هشيم الشعوب المهزومة حضارياً، فيحرضونهم، وإن بطريقة مواربة وملتوية، بالالتحاق بالإرهابيين، الذين يسمونهم زوراً وكذباً وافتراء (المجاهدين).
هؤلاء المحرضون المتأسلمون الذين يسعون في الغرف السوداء المظلمة بدعم الإرهاب، في جوف الليل، وينكرون عليهم في وضح النهار، هم أصل الداء، ومكمن العلة، وبؤرة البلاء، وستبقى جهود العالم لمكافحة الإرهاب المتأسلم تذهب هباء ما لم نبدأ أولاً بملاحقة الدعاة المتأسلمين المُسيسين، وبقوة لا تعرف التراخي ولا التسامح.
فمنظومات الإرهاب والإرهابيين تبدأ من ذلك الشيخ المسيّس الذي يُنظّر وينفخ من على منبر مسجده كل يوم جمعة، وفي حلقات دروسه حيث يتحلق حولة فتية فارغون محبطون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي, ويقنعهم أن الحل هو الالتحاق بكتائب المجاهدين.. ولا يجد هذا الشيخ أحداً يقف ويقول له (إخرس)؛ ثم يُساق إلى المحاكمة، قبل أن يساق من استجابوا له من الشباب وشدوا رحالهم إلى حيث يلتحقون بالقاعدة وداعش.
نعم وأقولها بملء فمي: تراخينا وتسامحنا مع دعاة التأسلم السياسي هي أس المشكلة في كل أرجاء العالم الإسلامي، فحيث كان هؤلاء كان الإرهاب.. وحيث كُممت أفواههم ولو تكميماً نسبياً انخفضت معدلات من يلتحقون بالإرهابيين، والعكس صحيح.
أقولها اليوم معلقاً على أحداث باريس عشية 13 نوفمبر، وكنت قد قلتها معلقاً على أحداث 11 سبتمبر قبل أربع عشرة سنة، ولو تمت ملاحقة دعاة الجهاد وأُنزلوا من منابرهم، وألغيت حلقات دروسهم، ومُنعوا من وسائل الإعلام بكافة أشكاله، لما ظلّ العالم يواجه هذا الغول المتوحش الشرس الذي اسمه الإرهاب.
والإرهاب اليوم له سلاح فتاك لا يمكن السيطرة عليه, وهو (الانتحار) الذي يسميه أساطين المتأسلمين (الاستشهاد)، ومعروف أن من يفتي به هم علماء الدين ذوو التوجه الإخواني، وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم الإفك ولي أعناق الحقائق الشرعية حسب أهوائه السياسية، المدعو «يوسف القرضاوي»، والمسيطر على قناة (الجزيرة) سيطرة المالك على أملاكه.. والقرضاوي هو من أشعل جذوة ما يسمى (الربيع العربي) الذي أفرز داعش في العراق وسوريا, كما هو معروف وطالما أن هذا الأفعى الخبيثة ومن حوله من الدعاة المتأخونين ينفثون سمومهم ويفتون بالانتحار، فسيبقى الانتحار بين شباب المسلمين قائماً، وسيبقى ببقائه الإرهاب وقتل البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين قائماً، فالإرهابي الذي يسعى إلى الموت بقدميه رغبة في الشهادة ومن ثم العيش في الجنة بين الحور العين لن يردعه رادع، إلا أن يتجه العالم الحر إلى من أفتاه قبل أن يتجه إلى من لف على جسده حزاماً ناسفاً ليمزق نفسه ويمزق معه الأبرياء، وتفرض على هذا الشيخ أن يعود عن فتواه، ويعترف أن فتواه كانت خاطئة، وأنه كان خاطئاً؛ ثم يُجرم ويلاحق كل شيخ أو داعية يقول بهذه الفتوى المضللة، ويصبح مطلوباً لدى محكمة دولية يتم إنشاؤها لملاحقة هؤلاء الدعاة.
النقطة الجوهرية الثانية أن يسعى العالم إلى العمل بكل عزم وحزم لا يعرف التراخي إلى القضاء على ثقافة التأسلم السياسي، فالإسلام عقيدة وعبادات حسب ما تنص عليه أركان الإسلام الخمسة، ومن يسيس العقيدة، ويصرفها عن عبادة الله جل وعلا وحده دون سواه، فقد صرفها إلى غير غاياتها، كما هي ممارسات (التأسلم السياسي) الذي أفرز الإرهاب، وبرره، وجعل منه مطية تمتطى لكل من له غايات دنيوية سياسية، كما هو ديدن المتأسلمين المسيسين صناع الإرهاب الأوائل، وإلا فستتكرر مآسي أمريكا وفرنسا والعراق وسوريا وليبيا في كل مدن العالم المتحضر.
إلى اللقاء،،،