محمد آل الشيخ
يبدو أن أذناب الصفويين في لبنان، وكذلك مؤسس (قناة الميادين الإيرانية) التونسي القادم من قناة الجزيرة القطرية «غسان بن جدو»، قد فوجئوا بقرار إدارة (عرب سات) بإيقاف بث قناة (الميادين) من خلال القمر الصناعي العربي (عرب سات)؛ فكانت ردة فعلهم على القرار ولولة ونحيبا وجعجعة، وهي في منطقها وتبريراتها تنطلق من أن القرار تعسفي - (كذا!) - وهو - كما يزعمون - ليس موجها للعدو الإيراني ومحاولات اختراقاته للصف العربي، وإنما موجه لفلسطين والقضية الفلسطينية، التي تتخذ منها القناة ذريعة لتجنيد بعض العرب لخدمة مشاريعها التوسعية؛ وما يسمونه جبهة (الممانعة والمقاومة). هذه الذريعة المفبركة وجدت إيران وعملائها الصفويين اللبنانيين، أنها أفضل الطرق لذَر الرماد في العيون، ليتسلل الإيرانيون إلى الرأي العام العربي، ويوظفون قضاياه لخدمة مشروعهم التوسعي، والذي هو الآن بدأ يتصدع بهزيمة أذنابهم الحوثيين الوشيكة في اليمن، وكذلك بفشلهم الذريع في إنقاذ نظام الأسد في سوريا من التدهور والسقوط، واضطراره إلى الارتماء في أحضان روسيا لإنقاذه.
قناة الميادين ممولة من إيران، وكل العاملين فيها، أو المتعاملين معها، ومحرري ومعدي برامجها، يدركون أن ما يقدمون فيها يجب أن يصب في المصلحة الإيرانية، وأن يرسخوا الذريعة ذاتها، التي تقول (إن ملالي إيران هم من سيحرر فلسطين، ويقتلعون الصهاينة ويلقونهم في البحر)، وقد اتخذت لتمرير ذلك بعض الفصائل السطينية جسرا لتمرير هذه (الكذبة)، كحركة حماس المتأخونة مثلا، ومعروف أن الأخواني المؤدلج، هو مع من يدفع أكثر، ومن يسعى إلى تمكينه ماديا من حكم الوطن السليب أو جزء منه؛ أما تحرير (الوطن) الفلسطيني السليب، فآخر من يؤمن بالأوطان هي الإيديولوجية الإخوانية كما هو معروف، فقضيتهم وغايتهم هي إقامة (دولة الخلافة) وليس تحرير فلسطين.
والعميل «غسان بن جدو» قبل حينما التحق بخدمة الصفويين، أن يقوم بدور (إبن العلقمي) مع التتار، الذي لعنه وما زال يلعنه التاريخ العربي. ومثله يعرف جيدا أن إقصاء قناة (الميادين) من البث عبر (عرب سات)، سيجعل قناته تنحدر نسب مشاهديها إلى الحضيض، ويقل تأثيرها، وكذلك متابعوها بما يوازي - كما يقول المتخصصون - الثمانين بالمائة، مثل ما حصل لشقيقتها (قناة العالم). والملالي الإيرانيون عندما يكتشفون أن ملايينهم التي يصرفونها على القناة تذهب هباء بتدهور قدرة هذه القناة إعلاميا، وتدهور عدد مشاهديها، سيفكرون قطعا في جدوى المبالغ الباهضة التي يدفعونها إلى ابن جدو وقناته. وهو تحديد ما يقض مضجعه، وكذلك ما يقض مضاجع العاملين معه في القناة من اللبنانيين؛ فاللبناني الذي جاء به ابن جدو يهمه طبعا المال أولا، ولكن يهمه - أيضا - أن يكون عمله الإعلامي له متابعين، وإلا فإن نهايته إلى النسيان والخروج من تخوم الذاكرة العربية، وهذا ما يقلق العاملون في هذه القناة، الأمر الذي جعل بعضهم بدؤوا من الآن يتلمسون لهم فرصا إعلامية حيوية أخرى، تبقي حضورهم في المشهد العربي الإعلامي؛ بمعنى أن إبن جدو سيجد نفسه في القريب العاجل في مأزق حقيقي، فلن يبقى في قناته، إلا النطيحة والكسيحة وما ترك السبع كما يقولون.
وفي تقديري أن قرار إيقاف بث قناة (الميادين) من القمر الصناعي العربي هو قرار من قرارات المملكة الحازمة والتي جسدتها أول ما جسدتها (عاصفة الحزم) المجيدة؛ فمن الغباء في رأيي أن ينصُبَ أعداؤك في أرضك منجنيقا يقذف بحممه على أهلك وذويك، ويسمم ثقافتهم، وأنت في يدك كل الوسائل لإيقافه ومنعه، ولا تمنعه؛ خاصة وأننا مع هذا الكيان الكهنوتي المتخلف، القادم من تلافيف التاريخ، والعصور المظلمة، في صراع وجود، لا يقبل أنصاف الحلول؛ فإما أن يكف الإيرانيون مؤامراتهم التوسعية، وإلا سنظل معهم في صراع دائم في كل المجالات.
وليس لدي أدنى شك أن هذا القرار الحازم والصحيح سيلقي بظلاله على كثير من القنوات التي كانت لا تكترث بالمصالح الحيوية السعودية، ولا تأخذها في الحسبان، كما كان الأمر - للأسف - في الماضي؛ الآن، خاصة في عهد وزير الثقافة والإعلام الشاب، تغيّر الوضع، وأصبح الحزم والحسم ومواجهة المستهترين من عرب الشمال المرتزقة بدلا من التسامح والتحمل، ومن تجاوز المحاذير السعودية فلا يلومن إلا نفسه. إنها شروط الحقبة الخليجية الإعلامية الجديدة التي تقودها المملكة، وليغضب من يغضب.
إلى اللقاء.