محمد آل الشيخ
يبدو أن الرياض العاصمة مقبلة على عصر تنموي اقتصادي جديد من خلال استقطاب المستثمرين الخليجيين والأجانب للاستثمار في المملكة. فقد أعلنت شركة إماراتية عن عزمها على بناء واحد من أكبر المولات التسوّقية في العالم في الجزء الشمالي من مدينة الرياض بتكلفة تتجاوز 11 مليار ريال. وهذا المشروع يعتبر بكل المقاييس مشروعا عملاقا ليس بالنسبة لمنطقتنا فحسب وإنما في العالم أيضا؛ حيث سيكون بمثابة (لاند مارك) في مدينة الرياض، ومصدر جذب لزيارتها. المشروع يحتوي على عدد ضخم من المحلات التجارية المتخصصة في تجارة التجزئة، وكذلك مطاعم ومقاهي وأماكن للترفيه ذات طابع تقني متقدم، وعدد من الفنادق مختلفة الدرجات وكذلك فلل سكنية فاخرة ملحقة بالمشروع وصالة تزلج جليدية ضخمة على أحدث طراز، كل ذلك سيكون في بيئة متماهية مع شروط البيئة الصحية في جميع جوانبها المعمارية، ومتوافقة مع شروط البيئة الجغرافية وحسب مقتضيات الضرورات المناخية الصحراوية، وبالذات ما يتعلق بالتهوية والتكييف والتشجير الجمالي المساهم في ترطيب المناخات متدنية الرطوبة كبيئة الرياض الصحراوية. وليس لدي أدنى شك أن هذا المشروع الواعد حين ينتهى من مرحلة التنفيذ ويتم تشغيله فعليا، سيكون مشروعا رياديا في مجالات عدة، ليس على مستوى التجارة المتخصصة لمحلات التجزئة فحسب، كما هو الوضع لدى مولات التجزئة التي تمتلئ بها مدن المملكة، وإنما في اقتران التسوق بمحفزاته المساندة الأخرى، كالفنادق وأماكن الترفيه التي تفتقر إليها الرياض والاعتناء بأن يكون كل ذلك في حيز جغرافي صديق للبيئة لا مفسدا لها. ولابد لمشروع متكامل ورائد مثل هذا المشروع العملاق، سيكون له آثار اجتماعية وحضارية، إذ ستنعكس تأثيراته الاجتماعية والنمطية على البيئة المجتمعية، لينقلها من بيئة متجهمة، شاحبة، تحارب البهجة والسرور، إلى بيئة مريحة باسمة تسود فيها الأجواء المفعمة بكل ما يشد المتسوق والرواد، فيجعل الوقت الذي يقضيه المتسوقون فيها ممتعا، كما هو الأمر في الدول المتقدمة والمتفتحة.
كما أن النقطة الثانية المهمة التي يشير إليها هذا المشروع بمنتهى الوضوح، أن المستثمر هنا مستثمر خليجي، وجاء من دولة رائده في قطاع الخدمات التسويقية والسياحية، وحققت نجاحا في هذا المضمار جعلها مقصدا لجميع الجنسيات من كل دول العالم، ما انعكس على اقتصادها انعكاسا في منتهى الإيجابية، من حيث ارتفاع دخل مواطنيها، ووجود فرص للعمل، وكذلك للشباب بأن يأسسوا مشاريع تجزئة صغيرة، بدلا من أن يعملوا كأجراء، إضافة إلى أن دخل الدولة حين يتم فرض (ضريبة القيمة المضافة VAT) مستقبلا سيزدهر كرافد من روافد تنويع مصادر الدخل.
ونحن مقبلون على فترة كما يقول المتخصصون نحتاج فيها إلى خلق فرصا وظيفية لما يوازي ألف فرد في اليوم خلال العشر سنوات القادمة، سواء من الذكور أو الإناث، ومعروف أن قطاع الخدمات بمختلف مكوناته هو من القطاعات الأساسية لتوظيف الأيدي العاملة، حتى في الدول الصناعية؛ فاليابان مثلا تُشكل القطاعات الخدمية من القوى البشرية العاملة ما يوازي 70% من مجموع الأيدي العاملة هناك. وهذا يقودنا إلى القول بمنطق علمي أن مشاريع الخدمات وأسواق التجزئة وكذلك خدمات السياحة والترفيه، وغيرها من الخدمات المساندة الأخرى ستمتص حكما كثير من الأيدي العاملة التي تبحث عن عمل.
وكون مالك هذا المشروع والمستثمر فيه، والذي سيقوم بتشغيله بعد انتهائه، جاء من الإمارات الشقيقة، نقطة هامة إضافية أخرى، فضلا عن أبعادها التعاونية والتكاملية بين دول الخليج العربي؛ فالأخوة في الإمارات لديهم تجربة عملية ناجحة، بل هي أنجح تجربة في العالم العربي على الإطلاق في مجال الاستثمار في المولات والترفيه السياحي، وتجارنا، وبالذات من يعملون في الاستثمارات العقارية، يحتاجون لمثل هذه الخبرات الناجحة، للاقتداء بها، والتأسي بها في مشاريعهم العقارية المستقبلية، ما يجعل هذا المشروع مثالا يُحتذى للمستثمرين في مشروعات القطاع العقاري في المملكة، وهو ما تفتقر إليه ثقافتتنا التجارية والتسويقية الآن، فأغلب المولات في مدننا لا تهتم كثيرا بأن تكون نواة لمشروع يغطي مجالات شاملة ومتعددة الأغراض، وليس توفير محلات لتجارة التجزئة فقط.
وختاما أقول أخشى ما أخشى على هذا المشروع الضخم، عوائق الإجراءات البيروقراطية الحكومية المتكلسة، التي أصبحت - كما يقولون - عنصرا من عناصر طرد المستثمرين القادمين من خارج المملكة، ناهيك عن أنها أيضا السبب الأول لرحيل الرساميل السعودية للاستثمار خارج البلاد إضافة - طبعا - إلى جنوح أعضاء هيئة الأمر بالمعروف إلى ممارسات غير مسؤولة بل وقمعية وتطفيشية لمرتادي مثل هذه المشاريع، الأمر الذي يشكل خطرا حقيقيا على مثل هذه المشاريع الرائدة, فيجب أن نتنبه بجدية لهذه العوائق من الآن.
إلى اللقاء.