محمد آل الشيخ
تباشر السعوديون, خاصة المثقفون منهم, بتصريح معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية ورئيس لجنة العلماء الموكل إليها دراسة مدونة تقنين الأحكام الشرعية بأن صدور هذه المدونة المحورية لاستقرار العدالة في البلاد اصبح وشيكاً وهذه المدونة آنفة الذكر فحواها تقنين الأحكام الشرعية على ضوء الشريعة الإسلامية الغراء واجتهادات فقهائها وترجيح بعض التخريجات الفقهية الموروثة بما يتناسب مع صحة الدليل الشرعي, كما هو منهج العلماء الاوائل الذين أسسوا علم الفقه خلال العصور السابقة وليس لدي أدنى شك أن هذه الخطوة التنموية المباركة، سيسجلها التاريخ بأحرف من نور على أنها خطوة بنيوية ومحورية هامة، في تاريخ المملكة القضائي والإداري, بدأها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز ونفذها الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ما يثبت ما كنت أقوله وأردده وهو أن هذه البلاد هي تكوين تراكمي متماسك واحد، جذوره في الأرض ونهايته تلامس السحاب شامخة مشمخرّة، أسسها ورسخها ووحدها المؤسس العظيم الملك عبد العزيز تغمده الله بواسع رحمته، ثم جاء أبناؤه الملوك الستة من بعده، ليكمل الملك الخلف ما أنجزه الملك السلف، لذلك بقيت هذه البلاد كيانا شامخا متجذرا عصيا على الزلازل والأعاصير والتحديات، تمر به الأزمات، الأزمة تلو الأخرى، والأخطار تلو الأخطار، فلا تزيد رسوخه إلا رسوخا، ولا تجذره إلا تجذرا، ولا قوته إلا قوة ومنعة.
عرف التاريخ العالمي زعماء كثيرين، وكتبت سيرهم وإنجازاتهم بأحرف من نور، وذلك بسب منجزاتهم التنظيمية والإدارية التي رسخت وجذرت دولهم وساهمت في طول بقائها؛ ومن هؤلاء، بل وأشهرهم السلطان «سليمان القانوني» الزعيم العثماني المعروف تاريخياً الذي حكم السلطنة العثمانية في القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدا من 1520 وحتى 1566، وقد اشتهر هذا السلطان بسليمان القانوني، وفي التاريخ الأوربي بسليمان العظيم، وكان من أهم إنجازاته على الاطلاق التي خلدت اسمه في التاريخ أنه أدخل إصلاحات قضائية وإدارية وإجرائية ترسخ العدالة بين مواطني سلطنته, وتزيد من قوة الدولة ومنعتها آنذاك، وكذلك إصلاحات اقتصادية وتقنينها إجرائيا. وقد حددت هذه الإصلاحات وبالذات القانونية منها - كما يقول التاريخ - شكل الإمبراطورية العثمانية بعد وفاته. كما أن الإمبراطور الشهير في التاريخ الياباني (ميجي) الذي تولى الإمبراطورية في منتصف القرن التاسع عشر، وقد سميت هذه الفترة في التاريخ الياباني (نهضة عهد ميجي)، نظرا لإنجازاته التي كانت بمثابة حجر الزاوية فيما بعد لانبعاث ما توصل إليه اليابانيون من بعده من تحضر ومنعة وقوة في كل المجالات، وكان من أهم هذه الإصلاحات أنه وضع الإطار القانوني والإداري والاقتصادي الذي أدخل اليابان إلى (دولة القانون)، وهذه الإجراءات الإصلاحية كانت بمثابة الداعم الثقافي والإداري الأهم لتطور اليابان فيما بعد.
ومن سيرة هاذين الزعيمين اللذين ذكرتهما آنفا على سبيل المثال لا الحصر نستطيع القول إن قوة الدول ليست فقط في القوة الصلبة كالقوة العسكرية والأمنية، وإنما لا يضمن استمرارها وتجذرها إلا التنظيمات والإجراءات القانونية المكتوبة، والمرعية تنفيذيا, وهذا بالتحديد ما جعلنا نستبشر خيرا، ونتفاءل بمستقبل واعد يسوده العدل من خلال قرب إصدار هذه المدونة التي تحمل في طياتها ما سوف تنعكس آثاره على العدالة والإنصاف في هذه البلاد.
نسأل الله جل وعلا أن يسبغ على هذه البلاد الأمن والاستقرار والاستمرار، في زمن نتلفت حولنا فلا نجد إلا شلالات من الدماء والاضطرابات والقلاقل كما تشاهدون لا كما يروى لكم.
إلى اللقاء