ثامر بن فهد السعيد
تعرضت المملكة العربية السعودية في الأسابيع الثلاثة الماضية إلى تقارير اقتصادية مكثّفة اتسمت في غالبيتها بالصبغة السوداء، حيث كانت قاتمة اللون من حيث المعطيات والتوقعات المستقبلية لما سيكون عليه حال المملكة في السنوات القادمة وآخرها جاء من تخفيض وكالة التصنيف الائتماني ستاندرز أند بورز التصنيف الائتماني للدولة
بالإضافة إلى تعديل النظرة المستقبلية للمملكة إلى سلبية, لا شك أن الوزن الأكبر لهذه التقارير وحتى لخفض التصنيف الائتماني للبلاد جاء من التراجع الحاد لأسعار النفط في الخمسة عشر شهراً الأخيرة وخصوصا أن متوسط أسعار خام برنت على سبيل المثال للعام الحالي تراجعت إلى 56 دولاراً للبرميل بالمقارنة مع متوسط سعر يتجاوز 97 دولار لبرميل برنت في العام الماضي ومتوسط سعر يتجاوز 100 دولار لبرميل برنت في العام 2013 وهذا ما يجعل أسعار النفط أقل بـ42.3 % عن العام الماضي وأقل بـ44 % عن العام 2013. كان هذا التغيّر الكبير الذي طرأ في أسعار النفط وتمسك المملكة العربية السعودية بمستويات إنتاجها اليومي من النفط شرارة البداية لكثير من التقارير الاقتصادية الصادرة سواء من جهات رسمية كصندوق النقد الدولي ووكالات الائتمان أو من الجهات الإعلامية مثل عدد من القنوات والصحف الاقتصادية العالمية.
يقدّر صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر عن المملكة العربية السعودية أن أهم عاملين سيكون لهما الأثر الأكبر على الاقتصاد السعودي ومجرياته هما تغيّر أسعار الفائدة حال حدوثه من الفدرالي الأمريكي وتراجع أسعار النفط, أما تغيّر أسعار الفائدة فمن متابعة أرقام البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية فقد بات قريباً وقد لا يتجاوز حدوثها 6 إلى تسعة أشهر فإما أن يتم ذلك مع نهاية العام الميلادي الحالي أو في فترة من الربع الأول من العام القادم 2016, سيصاحب تغير أسعار الفائدة قوة في الدولار الأمريكي وهذا فعلياً ما شهده الدولار منذ فترة قصيرة وهو بدوره أيضاً سينعكس على القيمة الحقيقة للريال، حيث ستزيد القوة الشرائية للريال خلال السنوات القادمة تماشياً مع ارتفاع الدولار وقوته ولأن ارتفاع الدولار فعلياً هو الأثر الملموس لتعافي الاقتصاد الأمريكي وأيضاً ارتفاع الفائدة فإن اتباع ساما لحركة الفدرالي برفع الفائدة سيرفع بدوره كل الفوائد المرتبطة بها مثل تكاليف الإقراض على سبيل المثال فقروض اليوم ذات الفوائد الثابتة فعلياً أقل تكلفة من قروض المستقبل, أما على صعيد القطاع البنكي فتغير أسعار الفائدة يقف إلى صف تلك البنوك التي تعتمد في إيراداتها ومنتجاتها على منتجات الخزينة فيتوقّع لمثل هذه البنوك أن تتحرك أرباحها باتجاه النمو متى ما حصل تغيّر في أسعار الفائدة.
ما زال النفط اللاعب الرئيس في الموازين الاقتصادية السعودية ولعل سرد التاريخ وتأثير النفط على الاقتصاد يرشد إلى ما يتوقّع أن يكون الحال عليه حال استمرار التراجع الحالي بالأسعار. قسم التقرير المراحل التاريخية التي شهدت تراجعاً لأسعار النفط بنسبة 50 % أو أعلى إلى ثلاث فترات الفترة من 1982-1986 و1998 - 1999 و 2008 - 2009 في الفترات الثلاث الماضية التي شهدت تراجع أسعار النفط كان رد الفعل المتخذ هو خفض الإنتاج بنسب كبيرة كان لها الأثر على خسارة المملكة لجزء كبير من حصتها السوقية كما هو الحال لمنتجي أوبك أيضاً في تلك الفترات إلا أنه من الملحوظ في الفترة الحالية تمسك المملكة بحصتها من الإنتاج النفطي دون تغيير رغم استمرار تراجع أسعار النفط وهذا بدوره سيبقي المملكة في المنافسة على الحصص.
استطاعت المملكة العربية السعودية في السنوات الماضية تخفيض الدين العام لها لتكون الدولة الأقل في العالم بنسبة دين تبلغ 1.8 % من إجمالي الناتج بالإضافة إلى توافر احتياطيات نقدية كبيرة تراكمت بمرور السنوات التي تمتعت فيها البلاد بالارتفاع الكبير في أسعار النفط ولهذين العنصرين القدرة على تقليص الأثر التحوطي السلبي على البلاد في حال استمرت أسعار النفط بالتراجع في السنوات الثلاث القادمة وهذا ما يزيد من احتمال أن الموازنة القادمة للبلاد لن تشهد خفضاً كبيراً في الإنفاق، بل يقدّر خفض الإنفاق الحكومي بنسبة بين 3 % إلى 5 % عن العام السابق أخذاً بعين الاعتبار أن لكل انخفاض للنفط بقدر 14 % يؤثّر على قدرة الإنفاق الحكومي بنسبة 1.1 % ويؤثّر على نمو الاقتصاد بنسبة 0.1 % وهذا بدوره ينعكس على أسواق الأسهم بتراجع يقدر بـ5 %.
صحيح أن اقتصاد المملكة العربية السعودية يواجه تحدياً حقيقياً يعد الأصعب في العقد الحالي إلا أن تجارب المملكة في مواجهة الأزمات السابقة سيخدمها في تجاوز هذه المرحلة وخصوصاً أن البلاد في عتادها الحالي تعد أقوى مما كانت عليه في الأزمات الاقتصادية السابقة.