محمد سليمان العنقري
تملك السكن وبمعنى أدق منزل العمر حسب الوصف الاجتماعي السائد حق مشروع لكل مواطن وهو ما تعمل الحكومة عليه بتهيئة البيئة الاستثمارية بالقطاع العقاري لتمكين المواطن من تملك السكن وبما أن ملف الإسكان بات رئيسًا إن لم يكن الهم الوحيد للأسر السعودية فإن أي إجراءات أو تصريحات تصدر من وزارة الإسكان تلقى اهتمامًا كبيرًا ولا يمكن أن تكون ردات الفعل عليها بنفس المقصد الذي تعنيه الوزارة نظرًا لارتفاع الحساسية لدى المواطنين اتجاه هذه التوجهات والتصريحات لمحاولة فهمها وقياس أثرها على الحلول المنتظرة لهذا الملف الضخم.
وليس أبلغ كدليل من التفاعل الكبير من أفراد المجتمع مع تصريحات معالي وزير الإسكان في آخر ملتقى له مع شرائح نخبوية حيث تحدث برؤيته إلى المشكلة أنها تحتاج إلى فكر وكذلك رفع مستوى الثقافة لدى أفراد المجتمع حول السكن، فعموم المتلقين لهذه التصريحات لن يميزوا بين إن كانت تصدر بمؤتمر أو بيان رسمي وبين لقاءات حوارية تعزز من مفهوم الرؤية الشاملة للقضية بين شركاء الحل بمعزل عن المنصب والموقع الرسمي للمتحدث مما يعني أنه من الضرورة أن يتطور أسلوب الإدارات الإعلامية بالوزارات لتكون مستشارًا واقعيًا وعمليًا يعطي المسؤول تصورًا كاملاً عن الواقع للرأي بالمجتمع حول المشكلة والمنتظر منه بحديثه عن الملف الذي يتولى إدارة الجهاز المعني به فهذا صلب عمل ومهام هذه الإدارات.
الا أن المواطن لا ينتظر من الفكر الذي تتبناه أي جهة معنية بملف السكن وأولها وزارة الإسكان إلا الحلول التي تحقق له التملك الميسر وبذلك فإن الفكر هو مسؤولية الجهة التي تقود السوق وليس الفرد أو المجتمع الذي يستهلك المنتج فالثقافة تتعزز بزيادة العرض وتنوع المنتجات بينما تتولى الجهات دور تطوير الأفكار التي تنتهي بسلة من المنتجات السكنية والتمويلية المناسبة لكل شرائح المجتمع.
إن السكن لا يختلف عن أي منتج آخر فالمطلوب أن توجد وزارة الإسكان عشرات المنتجات السكنية التي تناسب الأسرة بحسب دخلها واحتياجها الحالي والمستقبلي فلا يجب أن تكون مرهقة لدخلهم وتضغط على تكاليف معيشتهم وبنفس الوقت تلبي احتياجهم لسنوات طويلة جدًا تأخذ بالحسبان زيادة عدد الأفراد وأيضًا ارتفاع الاحتياجات عندما يكبر الأبناء وتزداد متطلباتهم بالسكن المريح.
ولا يمكن أن يحيد الفكر لحل مشكلة الإسكان عن الخطوة الأولى اقتصاديًا وهي زيادة العرض ليتوازن مع الطلب الكبير وأهمها على الإطلاق دفع الأراضي البيضاء للتطوير وبناء المنتجات السكنية بأعداد ضخمة ومتنوعة بالحجم والتصاميم والأسعار ولتحقيق ذلك يجب منع حجب الأراضي عن السوق وذلك بنظام رسوم صارم يحقق الهدف ولا يترك أي مجال للتهرب منها وإلا فسيكون معدوم الفائدة ولن تتحرك أي حلول أخرى إلا بإزالة السبب الرئيس لضعف التطوير وشح العرض والمسؤولية تقع هذه الأيام على مجلس الشورى الموقر للمساعدة بإصدار نظام رسوم فعال يسهم بانطلاق الخطوة الأولى والأهم لمعالجة ملف الإسكان يقابل ذلك بالتوازي ولا يرتبط مع نظام الرسوم إصدار بقية الأنظمة المحفزة على التطوير التي من السهل تغييرها كسرعة اعتماد المخططات وسهولة استخراج التراخيص وهي من مهام وزارة الشؤون البلدية والقروية وتستطيع إنجاز تطوير أنظمتها بوقت قصير دون أي ارتباط بنظام الرسوم إِذ أنهما منفصلان عن بعضهما من الناحية الفنية أي التغيير بآليات الأنظمة القائمة حاليًا ولكن يبقى لصرامة نظام الرسوم ودقته بمعالجة شح الأراضي الدور الأول للانطلاق نحو حلول عملية وواقعية واقتصادية.
إن توفير السكن الملائم ليس بالأمر المستحيل أو الصعب فدول كثيرة سبقتنا بالحلول وحولت القطاع العقاري لصناعة رفدت اقتصادياتها بنمو جيد وآثار إيجابية بضخ الاستثمارات وفتح فرص العمل دون أي ضغط على الأسر بتكاليف معيشتها فالسكن المناسب يجب إلا يتعدى استقطاع التمويل أكثر من 30 في المائة من دخل الأسر بأول مرحلة من تملكه في حال لجوئهم للاقتراض ويفترض إلا تزيد قيمته عن أربعة أضعاف دخله السنوي ليكون بقيمة مناسبة وهذه كلها معايير دولية تؤدي إلى أن تكون الأصول العقارية بقيم عادلة إذا قورنت بالعائد عليها في حال تاجيرها كقياس للقيمة الاستثمارية المجزية فأي منزل يتوقع أن يكون إيجاره لا يعيد قيمته خلال عشرة أعوام بالمتوسط يعد مبالغًا فيه إذا كانت قيمة الاستراد تصل إلى عشرين عامًا أي عائد 5 في المائة مثلاً لأنه سيصبح بسعر فقاعة ومع التقادم سيتهالك المنزل ويقل عائده لو استثمر كمقارنة وقياس للقيم العادلة خصوصًا مع الأخذ بالحسبان زيادة العرض والتوسع العمراني على مدى عقد من الزمن أو عقدين وأهمية التركيز على هذه المعايير تكمن بتعزيز ثروات الأسر من جهة وحماية للاقتصاد من فقاعات عقارية تضر جدًا عند انفجارها وتؤثر على النشاط الاقتصادي وقطاعاته الرئيسة كالتمويل والمقاولات وغيرها ولذلك فإن الأخذ بهذه الاعتبارات سيؤدي لحلول شاملة وتنعكس إيجابًا على الاقتصاد بشكل عام.
من الصعب أن تنطلق الحلول لملف الإسكان إذا لم تبدأ من زيادة العرض بفك احتكار الأراضي وتخفيض تكاليف بناء السكن بكافة عناصرها وأولها الأرض وتنويع المنتجات بعدها وأساليب التمويل للمطورين والأفراد حتى تكتمل عناصر المعادلة التي تأتي بالثمرة المطلوبة وهي تملك سكن ميسر وهو مطلب المواطن وأسرته والتحول بالعقار ليكون صناعة رافدة للنمو للاقتصاد الوطني.