محمد سليمان العنقري
أصدر البنك الدولي تقريره بخصوص مزاولة الأعمال، الذي يغطي 189 دولة. وقد قام البنك بتعديل طريقة قياس المؤشرات التي يبنى على أساسها الحركة الواقعية لمعرفة مدى سهولة أو صعوبة مزاولة الأعمال بالدول؛ لكي يعطي تصوراً أفضل لحقيقة النشاط التجاري ومدى تأثير الأنظمة عليه. ورغم أن ترتيب الدول تغير كثيراً كأرقام إلا أنه في حقيقة الأمر لم يكن على أساس تراجع بأدائها إجمالاً بقدر ما هو قياس صحي أكثر؛ لكي تقوم كل دولة بمعالجة ما لديها من أنظمة تحتاج لتطوير، أو حتى إضافة. وهذا التقرير عموماً يساعد على كشف مدى نجاح كل دولة بما عدلته أو أضافته من تشريعات، أو ما ينقصها لكي تحسن من واقع مزاولة الأعمال.
فوفق المنهجية القديمة كان ترتيب المملكة الـ49. أما بعد تعديلها فأصبح الـ84 للعام 2015. فيما سيكون عند الـ82 للعام 2016، أي تحسن مرتبتين. وهذا يعني أنه لو استمر البنك بمنهجيته القديمة فإن ترتيب المملكة سيكون الت47 عالمياً. ولكن ما يهمنا في التقرير أنه يقيس أداء كل القطاعات الرسمية المعنية بتيسير مزاولة الأعمال، أي أن القياس هو للاستثمار المحلي، ولا يخص الاستثمار الأجنبي. فالمستثمر المحلي يواجه إشكاليات، لا بد من معالجتها؛ كي يزاول أعماله بأريحية أكثر. فمن بين المؤشرات التي ما زال ترتيبنا فيها منخفضاً (بدء النشاط التجاري)؛ إذ كان الترتيب 130 على مستوى العالم؛ ما يدل على وجود إجراءات لدى العديد من الجهات تؤخر بدء النشاط. أما الحماية من الإفلاس فقد جاء الترتيب فيها عند 189، أي الأخير؛ وذلك لعدم وجود نظام للحماية من الإفلاس إلى الآن. وهناك شواهد تدل على ذلك كبعض الشركات المدرجة بالسوق المالي والمعلق تداولها بشكل مباشر، بل من خلال صفقات خارج نظام تداول، وتبلغ خسائرها أكثر من 100 % من رأس مالها، ولم تحل مشكلتها لعدم وجود قانون ينظم طرق الحماية من الإفلاس. يضاف إلى ذلك أيضاً ترتيبنا عند الـ79 بالحصول على الائتمان، وهذا بدوره معطل للنمو الاقتصادي بالنشاط التجاري، ومؤخر لبدء النشاط أو التوسعات.. إلخ.
فما ذُكر هو عينة من بعض المؤشرات التي ما زالت متأخرة؛ وتتطلب جهوداً حثيثة لتحسينها، رغم أن هناك مؤشرات جيدة، لكن عندما يتم النظر فيها كلياً فإنها تؤخر في الترتيب. والأهم أنها تؤثر في الأداء الاقتصادي عموماً نظراً لمعوقات مزاولة الأعمال التي تأتي من أنظمة ما زالت بعيدة عن التطوير، أو أنها تطور لكن تأخرت دراساتها حتى يتم اعتمادها.
يتسابق العالم لتحقيق أفضل معدلات نمو اقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال، وذلك عبر أدوات متعددة، من بينها سهولة مزاولة الأعمال؛ فالقطاع الخاص يفترض أن يلتفت لتطوير بيئته الداخلية، وتنافسيته في الاقتصاد، وعدم وجود تأثير من البيئة الخارجية. ويفرض ذلك تطويراً كبيراً في الأنظمة عموماً؛ كي يتم تجاوز أي معوقات، وتيسير الإجراءات بما يكفل مرونة عالية، يحتاج إليها القطاع الخاص حتى يساهم بالناتج المحلي بنسب أعلى، وكذلك يوفر فرص عمل مجزية، ويرفع من الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد. ولا يتحقق ذلك إلا بقيام كل جهة حكومية معنية بمراجعة أنظمتها، وتقليل الاشتراطات والأتمتة للإسراع بإنجاز الإجراءات المطلوبة لمزاولة الأعمال بيسر وسهولة.