محمد بن فهد العمران
في الأسبوع الماضي تلقيت دعوة كريمة من البنك السعودي للتسليف والادخار لحضور ورشة عمل، تحمل اسم «إعداد الاستراتيجية الوطنية للادخار»، تناقش مواضيع تتعلق بتحديات الادخار في المملكة، والحلول الممكنة، ودور البنوك التجارية وشركات التكافل والجهات الحكومية لتشجيع الادخار، وإمكانية تطبيق الدروس المستفادة من التجارب الدولية في المملكة. وأشرف معالي وزير الشؤون الاجتماعية بنفسه على إدارة هذه الورشة بصفته رئيساً لمجلس إدارة البنك، بحضور نخبة من الاقتصاديين ومسؤولي المصارف التجارية.
في الحقيقة، كانت لدي رغبة قوية للحضور والمشاركة، لكني قررتُ عدم الحضور بسبب وضع خطير رأيته في هذه الورشة قبل انعقادها؛ بسبب تداخل الاختصاصات والصلاحيات بين الأجهزة الحكومية؛ إذ إن الجهاز الحكومي المسؤول عن الادخار في المملكة هو مؤسسة النقد، ولا أدري على أي أساس «نظامي» يقوم جهاز حكومي يتبع وزارة الشؤون الاجتماعية بتنظيم ورشة تتعلق بمسؤوليات جهاز حكومي آخر؟ ثم توجيه الدعوات لمسؤولي البنوك التجارية «مباشرة»؟ هنا يجب أن نلاحظ أن كلمة «ادخار» في اسم البنك السعودي للتسليف والادخار ليس لها أي قيمة نظامية، وليس لهم حق قبول ودائع من المواطنين بأي حال من الأحوال، كما أن حضور سعادة وكيل محافظ مؤسسة النقد للورشة هو بصفته عضو مجلس إدارة للبنك.
ما يؤكد وجود تداخل في الاختصاصات والصلاحيات بين الأجهزة الحكومية أن معالي محافظ مؤسسة النقد ومسؤولي مؤسسة النقد عن مراقبة البنوك ومراقبة شركات التأمين لم يحضروا هذه الورشة على الإطلاق، بل المضحك أن من بين حضور هذه الورشة كان معالي وزير الإسكان!! إذ ذكر لي أحد الإخوة الحضور أن فكرة هذه الورشة انبثقت في الأساس من مقام وزارة الإسكان (أيضاً مع تغييب واضح لمؤسسة النقد بوصفها جهازاً حكومياً مسؤولاً نظاماً عن الادخار في المملكة)، ثم تبناها لاحقاً البنك السعودي للتسليف؛ ولهذا السبب حضر معالي وزير الإسكان هذه الورشة. وإذا ثبتت صحة هذا الكلام فمستقبلاً قد نرى وزارة الصحة تجتمع مع عمداء كليات الطب في الجامعات دون الرجوع لمجلس الجامعات، وقد نرى وزارة النقل تُصدر صكوكاً شرعية دون علم وزارة العدل.. وهكذا دواليك!!
مع كل الاحترام والتقدير، ليت كل وزير يركز على الاختصاصات الأساسية لوزارته؛ حتى لا نفسِّر تدخلهم مع شؤون أجهزة حكومية أخرى بأنه «هروب»، وخصوصاً أن ملفات الفقر والضمان الاجتماعي وتسليف ذوي الدخل المحدود والإسكان وإعادة تنظيم النشاط العقاري كلها ملفات صعبة، تحمل في طياتها الكثير من التحديات، بينما ما تم تنفيذه حتى الآن لا يزال أقل من المأمول. وما يؤكد هذا أنه عند تعيين معالي وزير الخدمة المدنية سمعناه يتحدث عن أهمية التوصيف الوظيفي، وهو توجُّه جميل، بينما ما حدث في ورشة «الادخار» يؤكد مجدداً أهمية تنفيذ مشروع «التوصيف الوظيفي» لجميع موظفي الدولة، بدءاً من معالي الوزراء أنفسهم، وبأسرع وقت ممكن.