محمد بن فهد العمران
في الأسبوع الماضي استبشر كل مواطن سعودي في المملكة بقرار مجلس الوزراء الموقر الخاص بإحالة مشروع فرض الرسوم على الأراضي البيضاء إلى مجلس الشورى لدراسته وفقاً لنظامه، على أن ينتهي المجلس من هذه الدراسة خلال فترة لا تتجاوز ثلاثين يوماً. وهو قرار يشير إلى أن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى، آخذين في الاعتبار الظروف الاقتصادية الراهنة في المنطقة، التي هي الأخرى ستسرع من فرض الرسوم بهدف دعم الإيرادات الحكومية، وتنويع مصادر الدخل بالشكل الذي يتماشى ويتزامن مع حل مشكلة الإسكان.
تشير تقارير صحفية نقلاً عن متخصصين في مجال التطوير العقاري إلى أنه في حال تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء فإن القيمة التقديرية لتحصيل هذه الرسوم ربما تصل إلى 250 مليار ريال سنوياً، وهي بالتأكيد قيمة ضخمة إذا ما قورنت مثلاً بحجم الموازنة العامة للدولة سنوياً بنسبة قد تصل إلى 30 في المئة، أو إذا ما قورنت بإجمالي حجم ودائع العملاء في المصارف السعودية بنسبة لا تقل عن 15 في المئة. وإذا ثبتت صحة هذه التقديرات فإن تحصيل هذه الرسوم سيكون كفيلاً بتغطية نصف عجز الموازنة العامة لهذا العام مثلاً، ولكن على حساب أرصدة ودائع العملاء في المصارف المحلية، بينما لا أعتقد شخصياً أن كبار العقاريين اليوم لديهم ودائع تحت الطلب تكفي لسداد الرسوم.
في السياق نفسه، تناولت تقارير صحفية أخرى أخباراً، مفادها أن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء سيكون مقتصراً على الأراضي ذات المساحة التي تزيد على 10 آلاف متر، وعلى الأراضي السكنية المكتملة الخدمات. وهنا يجب أن نركز قليلاً عند «أراضٍ ذات مساحة تزيد على 10 آلاف متر» و»أراضٍ سكنية» و»مكتملة الخدمات»؛ لأنه إن صحت هذه التقارير بهذه الضوابط مجتمعة فإن قرار فرض الرسوم سيكون - مع الأسف - قراراً عديم الفائدة، وليس له أي قيمة؛ لأن بعض كبار العقاريين حتماً سيسعون جاهدين لتفادي دفع الرسوم بأي طريقة كانت (نظامية أو غير نظامية)، وخصوصاً أن التطبيق ستسبقه فترة سماح، قد تصل إلى بضع سنوات!!
على الرغم من حماسي لخدمة ديني ومليكي ووطني وأبناء بلدي من خلال التصدي لمشكلة الإسكان في المملكة في وسائل الإعلام (ويشاركني في هذا الكثير من الإخوة الاقتصاديين)، إلا أنني الآن بدأت أشك في قدرة وزارة الإسكان على حل هذه المشكلة التي تُعتبر اليوم من أهم الأولويات التي لدى ولاة الأمر والمواطن السعودي البسيط على حد سواء؛ إذ إن جميع دول العالم عندما تنظّم قطاعاتها العقارية من خلال فرض الرسوم أو الضرائب تقوم بذلك ضمن إطار واسع وشامل، لا يترك مجالاً للتهرب من دفع الرسوم أو الضرائب، وهو ما يتعارض مع الضوابط «الضيقة» التي تناولتها التقارير الصحفية، والتي حتماً ستحدُّ كثيراً من فعالية قرار فرض الرسوم عند تطبيقه.
لذلك، أستطيع القول بكل أسف: لا داعي لرسوم تسمح لمالكي الأراضي البيضاء بتفتيت أحجام أراضيهم، وتفتيت الملكية إلى أسماء مختلفة.. ولا داعي لرسوم تطبَّق على الأراضي السكنية وتهمل الأراضي التجارية.. ولا داعي لرسوم تسمح لمالكي الأراضي البيضاء بالمماطلة في تطوير أراضيهم أو في إكمال خدماتها!! والأهم أننا ومن الآن نقول: لن نقبل أعذاراً وتبريرات من أي مسؤول في وزارة الإسكان (مع كامل الاحترام والتقدير لهم) لو ثبت فعلاً عدم فعالية فرض الرسوم مستقبلاً.