محمد بن فهد العمران
لعقود من الزمن، كان تجار الشنطة الذين يمثلون كبريات المؤسسات المالية الدولية (في دول مثل سويسرا و بريطانيا و الإمارات) يزورون المملكة دورياً ليفتحوا حسابات استثمارية لكبار المستثمرين السعوديين وليسوقوا منتجات مالية بمبالغ ضخمة دون حسيب أو رقيب، فيما قامت هيئة السوق المالية مشكورة في السنوات الأخيرة بجهود جبارة للتصدي في وجه هذه المؤسسات المالية وللحد من ظاهرة دخول ممثيلها للمملكة بشكل متكرر وغير نظامي حتى أصبح الآن من الصعب على هذه المؤسسات تكرار ما حدث منها سابقاً أو على الأقل تحجيمه بشكل كبير جداً.
في الأسبوع الماضي وبشكل مفاجئ، أعلنت وسائل الإعلام في المملكة على شاشات التلفزة والصحف الرسمية وسائل التواصل الاجتماعي عن توقيع شركة «أمانة كابيتال» عقد رعاية مع أحد الأندية الرياضية السعودية في حفل كبير أقيم في أحد الفنادق الكبرى تمت تغطيته من وسائل الإعلام، فيما تبين لي أن هذه الشركة الاستثمارية الأجنبية لم تحصل على أي ترخيص من هيئة السوق المالية لمزاولة الأنشطة الاستثمارية في المملكة وليس لديها أي فروع في المملكة على الإطلاق بينما تتركز أنشطتها من خلال فروعها في بريطانيا ولبنان وقبرص، وهذا بالتأكيد أمر مضحك يدل على وجود فوضى من طابع مميز.
والأكثر إضحاكاً أن رئيس النادي السعودي يصرح لصحيفة الحياة «بأننا قد عملنا على أن يكون شريكنا من الشركات التي لها مكانتها وسمعتها الكبيرة في السوق السعودية»، وهذا تصريح يتضمن إقرار من رئيس النادي بأن شركة «أمانة كابيتال» لها تعاملات كبيرة في السوق السعودية قبل توقيع العقد، وفي حال تبين عدم صحة هذا التصريح فهو إقرار منه بأنه لا يدري عن ماذا يتحدث!!.. والسؤال المهم الآن: كيف حصل مسؤولو هذه الشركة على تأشيرات لدخول المملكة وحضور الحفل؟.. ومن أصدر لهم التأشيرات؟.. وكيف يعلنون في وسائل الإعلام المختلفة عن دخولهم السوق السعودية وهم غير نظاميين؟.. وهل بلدنا فعلاً بهذه الفوضى؟.
خطورة عقد الرعاية هذا في أن طبيعة منتجات هذه الشركة تتركز بالمضاربة على أسعار العملات والسلع ومؤشرات الأسهم وهي من أخطر الأدوات الاستثمارية على الإطلاق لاحتوائها على «التمويل بالهامش» حيث إن المستثمر قد يضاعف أرباحه في أيام وأيضاً قد يخسر رأسماله كاملاً في ساعات، كما أن هذا النوع من المضاربة لا يناسب إلا نوعية محددة جداً من المستثمرين لديهم خبرة ودراية كبيرة بالأدوات الاستثمارية المتقدمة!!.. والسؤال الآن: هل سيتحمل مسؤولو النادي خسائر مشجع بسيط لا يملك خبرة أو دراية أراد أن يدعم ناديه بالدخول في مثل هذه المنتجات الخطرة؟.. ومن سيحسم قانونياً أي قضية قد تقع مستقبلاً بين المشجع والشركة؟.
وحتى نفهم ما يجري بشكل أكثر دقة فيبدو لي أن هذه الشركة الاستثمارية الأجنبية لم تدفع ريالاً واحداً للنادي السعودي حتى الآن لأن تفاصيل عقد الرعاية هذا لم تعلن على الملأ، وإذا ثبت صحة هذا الكلام فهذا يعني أنه في حال إلغاء عقد الرعاية مستقبلاً فإن الشركة تكون قد حققت وبشكل مسبق لمكاسب إعلانية ضخمة في غالبية وسائل الإعلام دون أن تدفع أي تكلفة مقابل ذلك فيما لن تستطيع أي جهة حكومية في المملكة من إيقاع أي عقوبة عليها لأنها وببساطة لا تمارس أي نشاط تجاري مرخص في المملكة أو حتى دول مجلس التعاون الخليجي، و هذه بالتأكيد صدفة لم يتوقعها أحد لكنها على كل حال تجعلني أضحك على ما يحدث من فوضى.