محمد بن فهد العمران
يعتقد كثير من الناس أنه بمجرد الوصول إلى سن التقاعد المبكر فإن أفضل قرار يمكن اتخاذه هو «التقاعد المبكر»، و هنا يبرز التساؤل المهم: هل «التقاعد المبكر» أفضل ؟ و للإجابة على هذا التساؤل من المفهوم المالي فيجب علينا أن نضع بعض الإفتراضات التي ستساعدنا للوصول إلى المعادلة الصحيحة و ذلك للتبسيط، و من هذه الإفتراضات: بلوغ سن 50 عاما عند الرغبة في اتخاذ القرار، و إعتماد نظام التأمينات الاجتماعية (و الذي لا يختلف كثيراً عن نظام المؤسسة العامة للتقاعد)، و أخيراً اعتماد الشريحة الأعلى من الراتب (حسب نظام التأمينات الاجتماعية في المملكة) عند 45,000 ريال.
قبل أن نصل للمعادلة الصحيحة، يجب أن نضع في الاعتبار أن أنظمة التقاعد حول العالم تم تصميمها منذ عشرات السنين على أساس أن معدل عمر الإنسان لا يتجاوز 65 عاما بينما نجد اليوم أن هذا المعدل قد إرتفع إلى ما يزيد عن 75 عاما كنتيجة لتطور الخدمات الطبية (و هذا ما يفسر - و لو جزئياً - قيام بعض الدول الغربية مؤخراً برفع سن التقاعد من 60 إلى 65 عاما)، مما يعني أنه في حال عدم اتخاذ قرار التقاعد المبكر عند سن 50 عاما و الإستمرار في دفع القسط الشهري البالغ 8,100 ريال (18 بالمئة من قيمة راتب الشريحة الأعلى عند 45,000 ريال) فإن الراتب التقاعدي سيزيد تقريباً بمعدل 100 ريال في كل شهر.
هذا يعني أنه في حال سداد مبلغ 8,100 ريال لكل شهر فإن ذلك سينعكس على شكل زيادة في الراتب التقاعدي المستقبلي بقيمة إجمالية مجمعة تصل لنحو 30,000 ريال (100 شهرياً لفترة 25 عاما تمثل الفرق بين 50 و 75 عاما) و هذا بدوره يشير إلى أن عدم إتخاذ قرار التقاعد المبكر و الإستمرار في دفع القسط الشهري هو القرار الأفضل لأن كل قسط شهري يتم سداده بمبلغ 8,100 ريال يكون العائد الاستثماري عليه هو مبلغ 30,000 ريال و هو فارق كبير بنسبة تزيد عن 270 بالمئة للفترة كاملة و بنسبة 11 بالمئة سنوياً، و مع تقدم السن سيتقلص الفارق تدريجياً إلا أن المؤكد أنه لن يتم الوصول إلى نقطة التعادل (أو نقطة الحيرة في اتخاذ القرار) بأي حال من الأحوال قبل سن التقاعد الرسمي عند 60 عام.
بناء على هذه الفكرة المبسطة، تكون المحصلة النهائية أن اتخاذ قرار «التقاعد المبكر» عند سن 50 عاما مثلاً لن يكون القرار الأفضل بكل تأكيد إلا إن كان الموظف لا يملك سيولة نقدية تساعده على إكمال دفع الأقساط في المستقبل ووجد نفسه مضطراً للقبول بذلك، آخذين في الحسبان وجود عوامل أخرى قد تؤثر على المعادلة التي تساعد على إتخاذ قرار «التقاعد المبكر» و من هذه العوامل مثلاً: شريحة الراتب والقيمة الزمنية المستقبلية للنقود و ارتفاع تكاليف المعيشة في المستقبل وانخفاض عدد التابعين في المستقبل وغيره، إلا أن جميع هذه العوامل في المجمل ليست ذات تأثير كبير على القرار الذي ربما يكون الأهم لأي موظف.