جاسر عبدالعزيز الجاسر
لأن الشعوب دائماً تبحث عن الاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية، عاد الأتراك إلى حضن حزب العدالة والتنمية، فبعد أقل من خمسة أشهر على الانتهاء من الانتخابات البرلمانية التي أبعدت حزب أوردغان عن التفرد بحكم تركيا، عاد الذي يطلقون عليه لقب «السلطان» ليحكم وحيداً، إذ أعطته وحزبه الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد تفويضاً مجدداً، بعد أن وجدت أن حزب أوردغان وحده القادر على إبقاء تركيا في «بحبوحة» العيش الآمن ورغد الحياة، فخلال الأشهر الخمسة الماضية لوحت مؤشرات التراجع الاقتصادي وتنامي العنف والانفلات الأمني بحدوث عدد من العمليات الإرهابية، وصلت إلى قلب العاصمة، حيث شهدت محطة القطارات في أنقرة تفجيرا إرهابيا خلف أكثر من مئة قتيل، كما شهدت مناطق الأكراد في ديار بكر العديد من العمليات الإرهابية، بعد أن عاد حزب العمال الكردي إلى نشاطه الإرهابي، وقتل جراء ذلك عددا من الأكراد ورجال الأمن الأتراك.
حزب العدالة والتنمية تجاوز النسبة التي تمكنه من تأليف الحكومة التركية القادمة دون الحاجة إلى الاستعانة بالأحزاب الأخرى، فقد حصل على 317 مقعداً كمحصلة أولية، متفوقاً على ما حققه في الانتخابات الماضية التي حصل عليها التي لم تتجاوز 258 مقعداً، في هذه الانتخابات تجاوز الحزب حاجز النصف من مجموع مقاعد الانتخابات التي تصل إلى 550 مقعداً، وبالتالي فإن مقاعد حزب أوردغان قد تجاوزت نسبة النصف باثنين وأربعين مقعداً مما سيتيح لأوردغان أن يعيد تكليف أحمد داود أوغلو رئيساً للحكومة التركية، ما يمكنه من تنفيذ ما يريد تحقيقه في سعيه إلى إعادة الصبغة «العثمانية» للدولة التركية، وأن يمضي قدماً في تحويل الحكم من برلماني إلى رئاسي.
ومع أن هذا التوجه يتوجس منه الأتراك العلمانيون وحتى الأوربيون الذين يرون فيه تكريساً للديكتاتورية، إلا أن الأتراك الذين أعادوا الثقة بأوردغان يطلبون ثمناً لدعمه في سعيه إلى تحقيق طموحاته بأن يعيد للاقتصاد التركي قوته وأن يعيد أيضاً للمجتمع التركي استقراره بتحقيق الأمن مجدداً ومحاصرة الإرهاب بشقيه، وكلاهما قادم من جنوب تركيا. إرهاب الأكراد بعد اتهام المتمردين من عناصر حزب العمال الكردي بعدم تنفيذ أوردغان لتفاهمات السلام مع عبدالله أوجلان، وإرهاب داعش، التنظيم الذي كان يجد احتضانا بغض النظر عن اختراقه للحدود مع سوريا والعراق الذي اتهم بأنه وراء عدد من العمليات الإرهابية.
وقف أو تقليص إرهاب الأكراد يمكن الوصول إليه بالعودة إلى تفعيل التفاهمات مع أوجلان قد تؤدي إلى إطلاق الزعيم التاريخي للمتمردين الأكراد مقابل دعمه لطموحات السلطان العثماني الجديد، ما يوقف من العمليات الإرهابية في جنوب تركيا، أما العلاقة مع داعش فلا سبيل إلى وقف تمدد نشاطه الإرهابي إلا الانخراط في الجهود الدولية والإقليمية النشطة في محاربته والقضاء عليه.
محاصرة الإرهاب والقضاء عليه وإعادة الأمن في تركيا ستؤدي تلقائياً إلى إعادة القوة للاقتصاد التركي وتعافيه وهو ما ظهر في ارتفاع مؤشر البورصة التركية بعد إعلان فوز العدالة والتنمية بالنسبة التي تؤهله لحكم البلاد.